غزة | على رغم التأكيد والإعلان المتكرر للسلطة الفلسطينية عن قطع الاتصالات مع الإدارة الأميركية بعد قرارها الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل» ونقل سفارتها إلى القدس المحتلة، جرت أنباء مصدرها وسائل إعلام عبرية عن لقاءات بين مسؤولين فلسطينيين، مثل صائب عريقات وماجد فرج، ومسؤولين أميركيين في واشنطن، لكن رام الله كانت تنفي ذلك أو لا تعقب عليه. أكثر من ذلك، كانت السلطة تؤكد في كل المحافل، وتحديداً على لسان رئيسها محمود عباس، رفضها العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل تحت مظلة الوسيط الأميركي، بوصفه «غير نزيه»، لكنّ المعطيات التي وصلت «الأخبار»، وتؤكد حدوث لقاءات سرية بين المسؤولين الفلسطينيين والأميركيين، تشي بعكس ذلك كلياً، وتحديداً بعد الحراك المصري المرعي أميركياً في شأن غزة واتفاق التهدئة المتعرقل حالياً.تكشف مصادر فلسطينية مطلعة أن قيادة السلطة أوصلت رسالة جديدة خلال الأسبوعين الأخيرين إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب، فحواها قبول رام الله عودة المفاوضات تحت المظلة الأميركية والتراجع عن الشروط التي أعلنتها في هذا الشأن من قبيل «مظلة دولية»، وذلك بشرط إيقاف التدخلات التي يقوم بها مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، والموفد الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، لا سيما في شأن غزة، وما ترى قيادة السلطة أنه تجاوز لدورها في هذا الملف. وتروي المصادر أن «التبريرات» التي عرضت خلال اجتماع «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، أمس، في شأن عودة الاتصالات مع الأميركيين هي أن هناك توجهاً أميركياً - إسرائيلياً لتغيير الواقع السياسي في الضفة المحتلة، إذ ستفضي تحركات كوشنير وغرينبلات إلى إنهاء وجود السلطة في الضفة وتحويلها سبع مناطق منفصلة تسيّرها بإدارات أمنية ومدنية محلية بعد حل السلطة، خصوصاً أن «الحكومة الإسرائيلية عززت دور الإدارة المدنية التابعة لها في الضفة» ضمن هذا السيناريو.
وفق المعلومات، جرت خلال الأسبوع الماضي لقاءات مكثفة في واشنطن ورام الله، وعُقد لقاء بين وفد من الاستخبارات الفلسطينية بقيادة رئيسها ماجد فرج مع «وكالة الاستخبارات الأميركية» (CIA)، وذلك بعد لقاء مماثل عقد نهاية أيار/ مايو الماضي بين فرج ووزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو. أيضاً، زار وفد أمني أميركي الضفة مطلع الأسبوع الجاري واجتمع بشخصيات فلسطينية رفيعة المستوى، وهو الأمر الذي نقلته أيضاً صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية التي قالت إن اللقاءات الأخيرة ناقشت «عودة المفاوضات ووقف مقاطعة عباس للإدارة الأميركية». المصادر نفسها قالت لـ«الأخبار» إن اللقاءات «شهدت خفضاً كبيراً في السقف الفلسطيني لشروط عودة العلاقات مع البيت الأبيض، فقد طلبت السلطة عزل غرينبلات وتعيين مبعوث جديد بدلاً عنه بسبب مواقفه الداعمة لإسرائيل بوضوح وإيمانه بإلغاء الحقوق الفلسطينية»، كما طلبت بوقف تدخلات كوشنير التي تدعم الرؤية الإسرائيلية لإنهاء السلطة، مشددة للوفد الأميركي على «ضرورة تعزيز التعاون الأمني والاستخباري تمهيداً لعودة العلاقات، وأيضاً المفاوضات».
يذكر أن حكومة «الوفاق الوطني» استنكرت في بيان «تهديدات غرينبلات لشخص عباس»، قائلة إن «هذه التهديدات تشكل تدخلاً سافراً في الشؤون الفلسطينية الداخلية، ومحاولات مكشوفة لتطبيق صفقة القرن في قطاع غزة تحت ستار المشاريع الإنسانية والهدنة». وحذّر البيان من «توقيع اتفاق هدنة منفرد مع إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، وتجاوز الشرعية الوطنية الفلسطينية، ما يعني تكريس الكيان السياسي المنفصل في غزة».
وكان لافتاً في هذا السياق حديث عضو «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير» أحمد مجدلاني، عن أن «واشنطن أبدت استعدادها لتقديم المبالغ التي كانت تتبرع بها لوكالة أونروا (360 مليون دولار) إما للدول المضيفة للاجئين لتقوم بتقديم الخدمات نفسها التي كانت تقدمها للوكالة ، وإما إلى بعض المنظمات الإنسانية الأخرى، ولكن بشرط التخلي عن الوكالة وإنهاء دورها». وأضاف مجدلاني: «(واضح أن) القرار الأميركي لا رجعة عنه في تصفية حق العودة والوكالة، ولا يوجد أي رهان لإمكانية تغييره في ظل وجود الإدارة الحالية برئاسة دونالد ترامب».
من جهة أخرى، ومنذ عودة وفود الفصائل الفلسطينية إلى غزة قبل عيد الأضحى الماضي، لا تزال حالة الجمود تسيطر على محادثات المصالحة والتهدئة، على رغم ما أوحت به اللقاءات في القاهرة بتقدم كبير. وعلمت «الأخبار» أن الفصائل أجرت اتصالات مع المسؤولين المصريين خلال الأيام الماضية بعد مضي وقت على الدعوة التي كانت مقررة لإكمال المشاورات، كما أفاد مصدر في «حماس» بأن «الاستخبارات المصرية أخبرت الحركة بأن دعوتها للتباحث تأجلت إلى ما بعد زيارة وفد فتح الأسبوع المقبل»، وهو ما أبدت «حماس» امتعاضها منه، خصوصاً أن الوضع القائم منذ شهور هو تكرر اللقاءات وتغيير الورقة المصرية للمصالحة من دون جدوى، وذلك بهدف «حرق الوقت لدفع حماس إلى المصالحة من مبدأ الاستسلام لا الشراكة».


السنوار: جهات فلسطينية رسمية تعاونت مع «الشاباك»
اتهم رئيس «حماس» في غزة، يحيى السنوار، جهات فلسطينية رسمية بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الشاباك» لإفشال المصالحة بين حركته و«فتح». وقال خلال لقاء مع النخب الشبابية في غزة أمس، إن «هناك دولاً كبيرة أرادت إحباط المصالحة، وللأسف الشديد جهات فلسطينية رسمية تعاونت مع الاستخبارات الإسرائيلية» لذلك. وبعدما وصل مسار المصالحة إلى طريق مسدود، «تم التخطيط لإحداث انفجار داخلي (ضد «حماس») في القطاع من عدة أطراف ولكن مسيرات العودة أفشلت هذا المخطط».
السنوار قال إن تفجير سيارة اللواء توفيق أبو نعيم (مدير قوى الأمن الداخلي) كان يهدف إلى إنهاء المصالحة، لكن «حماس اجتازت ذلك». كما شدد على أن «مسيرات العودة هي خيار شعبنا وفصائلنا الفلسطينية وهي التي مثلت اليوم حالة تحد للاحتلال ومؤامرات تصفية القضية»، مشيراً إلى أن مشروع المقاومة في غزة كان «يخطط له أن يسقط في الشتاء الماضي لكن تم إفشال ذلك».
وفي انتقادٍ حادّ وجهه إلى منسق الأمم المتحدة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، قال قائد «حماس» في القطاع: «وظيفتك تغيرت من المبعوث الأممي لعملية السلام إلى المبعوث الأممي للحيلولة دون الحرب... ملادينوف أتى غزّة مرتين في اليوم خلال التصعيد الأخير، والآن لم يحضر منذ أسابيع». وتابع: «لن نذهب وحدنا في مسار تثبيت وقف إطلاق النار بل بوجود غالبية فصائل وقوى شعبنا... الكونفيدرالية مرفوضة بسبب خطورتها السياسية والاستراتيجية، وفلسطين دولة الفلسطينيين».
(الأخبار)