تُكثّف الأطراف المشارِكة في محادثات السلام، المنتظر انعقادها في مدينة جنيف السويسرية في السادس من أيلول/ سبتمبر المقبل، مشاوراتها لتشكيل وفودها التفاوضية، في وقت تتواصل تداعيات التقرير الأخير الصادر عن فريق الخبراء الإقليميين والدوليين المعنيّ باليمن، والذي حمّل «التحالف» والحكومة الموالية له المسؤولية عن معظم الجرائم المُرتكَبة في هذا البلد. جرائم عدّلت الولايات المتحدة من لهجتها إزاءها، بعدما كان وزير دفاعها جيمس ماتيس قد حاول تبرئة السعودية والإمارات منها، من دون أن تبدي استجابة للمطالب المتصاعدة بوقف الدعم الأميركي لعمليات «التحالف».وأعلن وزير الخارجية في حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، خالد اليماني، أن حكومته تعمل على استكمال الترتيبات لتشكيل وفدها التفاوضي إلى جنيف، والذي سيضمّ 14 عضواً، 8 منهم مفاوضون رئيسيون، و3 خبراء فنّيون، و3 آخرون أعضاء في السكرتارية. كما أعلن أن هذه اللائحة ستُسلّم إلى المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، خلال اليومين المقبلين، من دون أن يحدّد الأسماء التي ستضمّها. وتطرّق اليماني، في تصريحات صحافية، إلى المحاور التي ستتناولها المحادثات المرتقبة، مُركّزاً منها على مِلفَّي إطلاق سراح المعتقلين وإيرادات البنك المركزي. في ما يتّصل بهذا الأخير، وعلى رغم محاولة الرجل إبداء تمسّك الحكومة التي يمثّلها بمطلبها «تحويل موارد الدولة إلى البنك المركزي في عدن»، إلا أنه أشار إلى أن «هناك عملاً جاداً لـ(...) عدم عرقلة أداء البنك المركزي في مختلف مناطق اليمن، وحلّ مشكلة دفع الأجور»، ما يشي بأن ثمة إمكانية لأن تؤدي الجولة الجديدة من المشاورات إلى تصحيح الخلل الكبير الذي نجم عن قرار هادي نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
أسقطت القوات المشتركة ليل الخميس طائرة استطلاع قبالة جيزان


على أن الهمّ الأكبر الذي يشغل ما تُسمّى «الشرعية» اليوم، قبيل التوجّه إلى جنيف، هو كيفية تطويق تداعيات التقرير الأممي الصادر أخيراً، والذي يُتوقّع أن يُخلّف تأثيرات سلبية على موقف حكومة هادي في هذه المشاورات. من هنا، تبدو مفهومة الهجمة متعدّدة المستويات على التقرير ومُعدِّيه، والتي كان آخرها ما صدر أمس عن رئيس الحكومة الموالية للرياض، أحمد عبيد بن دغر، الذي وصف الوثيقة الجديدة بـ«المُضلّلة والكاذبة والمزيّفة»، مُستغرباً إغفالها «انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية الدستورية المنتخبة والدولة (...) بدعم واضح من إيران». وفي الاتجاه نفسه، عدّ وزير الإعلام في الحكومة المذكورة، معمر الإرياني، تقرير الخبراء الأمميين «كارثياً»، معتبراً أنه «اعتمد على جملة من الافتراءات التي روّجت لها مطابخ مشبوهة». ولعلّ أكثر ما أثار حنق «الشرعية» في التقرير هو توصيف «أنصار الله» بـ«سلطات الأمر الواقع»، وقائدها عبد الملك الحوثي بـ«قائد الثورة»، علماً أن الخبراء اعتمدوا في تصنيفهم أطراف النزاع على التسميات الرسمية المعتمدة لدى كل من أولئك الأطراف.
ولئن دلّ هذا الحنق على شيء فإنما على الخشية المتزايدة لدى حكومة هادي من انفتاح دولي وأممي على «أنصار الله»، تسارعت مؤشراته خلال الفترة القصيرة الماضية. انفتاح يُتوقّع أن ينعكس إيجاباً على ما يمكن أن تَجنِيَه سلطات صنعاء من محادثات جنيف، خصوصاً أن لا «فيتو» أميركياً واضحاً إلى الآن على التوصل إلى حلول موضعية في ما يتصل بالملفات الإنسانية، اللهم إلا إذا كانت التصريحات الصادرة عن ممثلي واشنطن في هذا الإطار مجرّد محاولة لشراء الوقت. وأياً يكن، فإن «أنصار الله» تتعامل بجدية مع الجولة التفاوضية الجديدة، على رغم عدم تفاؤلها بنتائجها. وهي، في ذلك السبيل، تعقد اجتماعات مُكثّفة في العاصمة صنعاء، من أجل الخروج بوفد موحّد يمكنه التوجّه إلى جنيف بالرؤية التي كانت أقرّتها حكومة الإنقاذ. ووفقاً لمصادر مطلعة على تلك الاجتماعات، فإن وفد صنعاء التفاوضي سيشهد تغييرات في بعض وجوهه.
هذه الجدّية على المستوى السياسي، يوازيها ثبات على المستوى العسكري، في إبقاء الضغط على «التحالف» والقوات الموالية له حتى آخر لحظة طالما أن العدوان لا يزال مستمراً. وفي آخر مفاعيل ذلك التوجّه، أُعلن، مساء أمس، عن إطلاق صاروخ باليستي من طراز «بدر 1» على معسكر سعودي مستحدث في منطقة نجران، بعد ساعات من إطلاق صاروخ مماثل على المنطقة نفسها. وسبق هذا التطور، ليل الأربعاء - الخميس، إسقاط طائرة من دون طيار تابعة لـ«التحالف» في منفذ الطوال، قبالة منطقة جيزان. ونشر الإعلام الحربي اليمني، أمس، مشاهد للطائرة الصينية الصنع، والتي قالت الدفاعات الجوية في القوات المشتركة إنه تم إسقاطها «بسلاح مناسب». وعلى جبهة الساحل الغربي، تمكنت وحدة الهندسة في الجيش واللجان الشعبية من تدمير آلية تابعة للقوات الموالية لـ«التحالف» في مديرية الدريهمي، في حين استهدفت وحدة الدروع طقماً في مديرية التحيتا بصاروخ مُوجّه. أما على جبهة الوسط، فقد أفيد عن سيطرة القوات المشتركة على موقعين في جبهة قانية في محافظة البيضاء، عقب عملية «نوعية» استمرّت ساعات، وأدت إلى «إحراق آلية واغتنام أسلحة متنوعة» وفقاً لما نقلته وكالة «سبأ» الرسمية التابعة لحكومة الإنقاذ عن مصدر عسكري.