قبيل 5 أيام من الموعد المفترض لانعقاد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي، تتكثّف التحركات الإقليمية والدولية على الساحة السياسية، بهدف الدفع إلى حسم النزاع على الكتلة البرلمانية الأكبر. في هذا الإطار، بدت لافتة، أمس، اللقاءات المكوكية التي عقدها المبعوث الأميركي إلى العراق، بيرت ماكغورك، في جولة أثارت انتقادات من قِبَل الكتلة المحسوبة على «الحشد الشعبي». وفيما استمرّ الانقسام داخل «البيت السني» على خلفية منصب رئاسة مجلس النواب، ظهرت الكتلة الكردية أكثر تماسكاً وقدرة على انتزاع تنازلات من مفاوِضيها.تماسك تجلّى، أمس، في الاجتماع الذي عُقد في أربيل بين وفدَي «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» بهدف وضع ورقة موحّدة، سيحملها وفد مشترك من الطرفين إلى بغداد خلال الأيام القليلة المقبلة، رداً على «عروضات» المعسكرَين «الشيعيَين» المتنافسَين. وكان آخر تلك «العروضات» ما حمله، أول من أمس، وفد مشترك من «نواة الكتلة الأكبر» (التي تضمّ «سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«الحكمة» بقيادة عمار الحكيم، و«الوطنية» بزعامة إياد علاوي) إلى الحزبين الكرديين، والذي نفى عضو الوفد، خالد العبيدي، أن يكون قد تطرّق إلى «ملف كركوك» (علماً أن هذا الملف يشكل جزءاً رئيساً من المطالب التي يطرحها الأكراد على مفاوِضيهم). نفي قابله، على المقلب المنافس (المعسكر الذي يجمع «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، وتحالف «الفتح» بقيادة هادي العامري)، تصريح أكثر واقعية، وإن لم تَثبُت جدّيته إلى الآن. إذ نُقل عن قيادي في «دولة القانون» قوله إن الأحزاب الكردية «قدّمت تنازلات ومقترحات للانضمام إلى» ذلك المعسكر، من بينها القبول بإدارة مشتركة لكركوك والمناطق المتنازع عليها، إلى حين إجراء الانتخابات المحلية.
وبمعزل عن صحة ما يروّج له كلا المعسكرين، فإن الثابت أن الكتلة الكردية تُفاضِل ما بين «العروضات» المُقدّمة إليها، في ظل ضغوط أميركية متزايدة عليها لثنيها عن الانضمام إلى تحالف المالكي - العامري. ومساء أول من أمس، التقى ماكغورك، في أربيل، رئيس حكومة إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، قبل أن ينتقل إلى بغداد، لممارسة ضغوط مماثلة على الكتلة «السنية» (المحور الوطني)، التي التقى منها، أمس، نائب رئيس الجمهورية، المرشح لرئاسة البرلمان أسامة النجيفي. لقاءات استبقها أمين عام «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، بالتنبيه إلى أن «أميركا تتدخل في مفاوضات تشكيل الحكومة بشكل سافر»، والتحذير من أنه «في حال استمرت السفارة الأميركية في التدخل في الشؤون العراقية، فإننا لن نسكت على ذلك».
الخزعلي: أميركا تتدخل في مفاوضات تشكيل الحكومة بشكل سافر


وعلى رغم الدفع الأميركي الحثيث في اتجاه إبعاد الكتلتين «السنية» والكردية عن معسكر المالكي - العامري، إلا أن محاولات واشنطن هذه لا يبدو أنها آتت أكلها إلى الآن. إذ إن الأكراد يظهرون استعدادهم للتحالف مع أي من المعسكرَين مقابل تقديم ضمانات لهم، في حين تظهر قوى «البيت السني» مُشتتة ما بين القطبين «الشيعيَين»، خصوصاً أن أحدهما (الصدر - العبادي) وضع «فيتو» على انضمام القيادي في «المحور الوطني» خميس الخنجر إليه. وتلك نقطة حاول العامري الاستفادة منها مجدداً أمس، بالقول إنه «إذا كانت على الخنجر ملاحظات سلبية، فلماذا سمح له القضاء بالمشاركة في الانتخابات؟». وما يضاعف من حراجة الموقف «السني» هو انقسام «المحور» على هوية رئيس البرلمان المقبل، ما بين النجيفي ومحمد الحلبوسي (محافظ الأنبار) ومرشحين آخرين تقدّمت أسماؤهم خلال الساعات الماضية.
وفي قبالة الحراك الأميركي على خطّ «الكتلة الأكبر»، يتواصل الحراك الإيراني على الخط نفسه، أملاً في إعادة إحياء «التحالف الوطني» الذي كان يجمع قوى «البيت الشيعي». وهو «أمل» لم ينطفئ إلى الآن في ظل الحديث المتواصل عن جهود مستمرة للتقريب بين محورَي «سائرون - النصر»/ «دولة القانون - الفتح». لكن، وفي ظل الاستقطاب الحادّ بين القوى «الشيعية»، يتمّ الاشتغال على خطة بديلة محورها تدعيم محور المالكي - العامري، وجذب القوى الكردية و«السنية» إليه. ولعلّ ذلك الاشتغال المتوازي هو ما قصدته تصريحات العامري والخزعلي أمس، إذ قال الأخير إن «تحالف الفتح وحلفائه يمتلكون الأعداد الكافية لتشكيل الكتلة الأكبر»، في حين أكد الأول «(أننا) مستمرون في استقطاب الجميع، وهناك تقدم متواصل في عملية تشكيل الكتلة الأكبر، والكل مدعوون للحوار من أجل تشكيلها».