القاهرة | لم يعد النظام المصري يحتمل أي أصوات معارضة حتى لو كانت الطروحات التي ترفعها هذه الأصوات لا تجد صدىً مؤثراً، وذلك بعدما نجحت الآلة الإعلامية في تحويل المعارضين إلى متّهمين بالخيانة والعمالة وتنفيذ أجندات «إخوانية» بدعم «قطري-تركي» هدفها إثارة الفوضى والبلبلة وتعطيل المشروعات القومية التي تنفذ في البلاد.في هذا السياق، دهمت قوات الأمن نهاية الأسبوع الماضي منزل السفير معصوم مرزوق، وهو قيادي في «التيار الشعبي»، وذلك في توقيت متزامن مع حملة طاولت منازل عدد من القيادات المعارضة منهم يحيى القزاز ورائد حسين وسامح سعودي، تنفيذاً لقرارات ضبط وإحضار صدرت بحقهم على خلفية بلاغات قدّمها محامون مجهولون في الإسكندرية، واتهامات أخرى مجهزة مسبقاً من الأجهزة الأمنية التي لم تذخر جهداً في وضع سيناريوات قانونية على نحو يعرّض الموقوفين للسجن أكثر من 25 عاماً!
مثلاً، حوّلت الجهات السيادية موقف مرزوق، المعارض للرئيس عبد الفتاح السيسي وتصرفات نظامه، خصوصاً في ما يتعلق بالتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، من خلاف سياسي إلى اتهامات بالتخوين والتعاون مع جماعات إرهابية. ففي التحريات الأمنية، نسب إلى المتهمين التنسيق مع «الإخوان المسلمون» التي صنفها القانون جماعة إرهابية، وذلك من أجل «ضرب الجبهة الداخلية في مصر بالدعم المالي والمعلوماتي والتقني من أجهزة الاستخبارات الغربية»، فيما تمّ التشديد على وجود «تنسيق كامل» في هذا السياق بين «الإخوان» وبين الاستخبارات التركية والقطرية.
مذكرة التحريات تضمنت تأكيداً لوجود تغيير في التكتيكات والسياسات والوجوه من قبل «الإخوان»، ليظهروا أنفسهم جبهة عريضة من المصريين تضمن اليسار واليمين والتيار المدني والناصريين والنخبة الأكاديمية، وممثلين عن مختلف طوائف الشعب المصري، كي يكون هؤلاء متحدثين باسم الجماعة المحظورة «ويعبروا عن أفكارهم ويرددوا شعاراتهم».
جهز الأمن سيناريوات تعرّض الموقوفين للسجن أكثر من 25 عاماً!


«المخطط» المذكور وصفته التحريات الأمنية بأنه محاولة لتوظيف «مشهد دولي معارض يسيء إلى الدولة المصرية، ويعمل على تفتيت علاقتها القوية مع أشقائها العرب، خصوصاً في السعودية والإمارات، بإطلاق تصريحات تنتقد كبار قادتهم». وتستند الأجهزة الأمنية إلى ما وصفته بنزاهة الانتخابات الرئاسية العام الحالي، لتؤكد أن دعوة السفير مرزوق إلى الاستفتاء على بقاء السيسي والتظاهر في ميدان التحرير يوم الجمعة المقبل هي بمنزلة «محاولة للانقلاب على نظام الحكم»، مع أنّ هذه الدعوة لم تلقَ ترحيباً من المعارضة لأسباب عدة، وتضمنت تشديداً من مرزوق نفسه على ضرورة أن تكون هناك موافقة أمنية لتنظيم التظاهرة.
على رغم ذلك، رأى الأمن المصري الدعوة رسالة «إخوانية» من شخصيات لا تنتمي إلى الجماعة رسمياً، من أجل إضفاء صيغة شعبية عليها، وهو ما تم رصده، وفق التحرّيات، بوجود ترحيب بمبادرة القيادي في «التيار الشعبي» في القنوات ووسائل الإعلام التابعة لـ«الإخوان». كذلك، تشير تلك التحريات إلى أن السفير والضابط السابق في الجيش، الذي شارك في حرب 1973، كان يعدّه «الإخوان» ليكون «الواجهة المدنية الجديدة بعد سقوط كل الأقنعة عن رجال اختارهم التنظيم الدولي للجماعة، وليكون لسان حالهم في الداخل»، ثم وصفته بأنه «أحد الكروت التي كانت الجماعة تحضرها لكي تستخدمها في الوقت المناسب».
الأسوأ من ذلك أن هذه التحريات ترى أن مؤسس التيار، حمدين صباحي، هو أيضاً على صلة قوية بقيادات «الإخوان» في الخارج، وتصف مواقفه بأنها «غير وطنية»، وسط مطالبات باستدعائه للتحقيق في ما هو منسوب إليه من اتهامات، لكن هذه الخطوة لم تتم بعد. التحريات تدعي أيضاً حصول معصوم مرزوق وبقية المتهمين على أموالهم عن طريق شركة مقاولات يملكها أحد قياديي «الإخوان»، مرفقة بأوراق تحويلات للشركة من دون أن تثبت حصول السفير السابق عليها مباشرة.
هكذا، ينضم معصوم مرزوق إلى مجموعة المعارضين المدنيين خلف القضبان بداية من عبد المنعم أبو الفتوح، مروراً بالمستشار هشام جنينه، وصولاً إلى الفريق سامي عنان المحتجز منذ بداية العام الحالي على خلفية قضية محظور فيها النشر، فيما أعلن الفريق أحمد شفيق اعتزاله العمل السياسي بعد عدوله عن قرار الترشح للانتخابات الرئاسية.
في شأن متصل، وقبل أيام قليلة، أوقفت جهات سيادية جزءاً ثانياً من حلقة تلفزيونية كان يفترض أن يكون فيها الدكتور عمار علي حسن ضيفاً على الإعلامي محمود سعد، مستكملاً الحديث عن نشأته وتشكيل وعيه السياسي بعيداً عن الخوض في آرائه السياسية المناهضة للسيسي ونظام حكمه. لكن، جاء القرار بمنع إذاعة الحلقة، ما دفع سعد إلى الاعتذار من الجمهور عن عدم مواصلة البث. وعمار ممنوع من الظهور على أي قناة مصرية بتعليمات سيادية منذ أكثر من عام، بعدما كان ضيفاً دائماً على شاشتها على خلفية إعلان معارضته الرئيس وانتقاده نظام الحكم.