يفضح الشعب اليمني كل يوم، بدماء أبنائه وأشلاء أطفاله ونسائه، المزاعم المتكررة لنظامَي آل سعود وآل زايد حول نظافة حربهما على الشعب اليمني. الدماء النازفة من أجساد ضحايا مجزرة طلاب ضحيان في صعدة تسقط إمبراطوريات الإعلام الخليجية القائمة على التزوير، وقلب الحقائق، وبث التفرقة والتعصب والغلو، تماماً كما أسقطتها المشاهد الأخيرة لأسرى من الجيش اليمني واللجان الشعبية وقعوا في أيدي قوى العدوان في مديرية الدريهمي جنوب الحديدة. هكذا، تستعيض الإدارة المشتركة للحرب (السعودية ــــ الإماراتية بإشراف أميركي) عن العجز عن الثبات، والقدرة على المنازلة الميدانية، بالتفوق في السلاح الجوي، وكذلك باستئجار القوى السلفية وإيكال مهمة القتال خارج القيم والمواثيق الحاكمة للحروب إليها، لتُظهر وجهها الحقيقي في إدارة التوحش. يوم أمس، انتشر شريط فيديو يظهر قيام عناصر تابعين للميليشيات المدعومة إماراتياً على جبهة الساحل الغربي بنقل ثلاثة أسرى من الجيش واللجان من أرض المعركة إلى الصحراء، حيث تمّ إنزالهم من عربة إماراتية، وتنفيذ حكم الإعدام بحقهم. قبل هذه الحادثة بيومين فقط، أقدمت الميليشيات نفسها على إعدام أسير جريح بالرصاص، ورميه من أعلى الجبل، بعدما جاءت الأوامر من مسؤول المجموعة المقاتلة بتصفيته، قبل أن يُستعلَم عن اسمه واسم محافظته. الحادثتان المذكورتان ليستا الوحيدتين في سياق الحرب على اليمن، فقد حملت هذه الحرب الكثير من عمليات إعدام الأسرى اليمنيين، كما شهدت في السنة الأولى منها قيام فصائل تقاتل إلى جانب الإمارات ببيع أسرى من «أنصار الله» إلى تنظيم «داعش»، الذي نشر لاحقاً تسجيلاً مُصوّراً يظهر تفنّنه في كيفية إعدامهم.
وقائع ليست، بحال من الأحوال، منعزلةً عن السياق الذي يُشنّ فيه العدوان على اليمن. فكما أن السعودية والإمارات تتطلّعان في أهدافهما غير المعلنة إلى إخضاع اليمن بانتقاص سيادته، ومنعه من الاستفادة من موارده وموقعه الحيوي، لاعتقادهما بأنه في حال تمكّن الشعب اليمني من استثمار ثرواته، فإنه سصبح منافساً قوياً للضفة الشمالية من الجزيرة العربية، فهما كذلك تتعاملان مع الشعب اليمني بالكبر والاستعلاء، وهذا ليس مقتصراً على الجبهة المضادة لهما، بل أكثر من يشكون من الإهانة والإذلال هم كبار المسؤولين الحكوميين التابعين لـ«الشرعية». ومردّ هذا التعامل هو اعتقاد كل من الرياض وأبو ظبي، أيضاً، بأنه لو أتيح لليمنيين استرداد مكامن قوتهم الذاتية، فهم لن يسمحوا لهما بالتفرد والاستعلاء عليهم، ولسوف يعملون على حيازة مكانتهم في التطور الإنساني وأخذ دورهم الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي.
ليس من باب الصدفة أن السلفيين يشكّلون قوام التشكيلات الموالية لـ«التحالف»


وليس بعيداً عن هذا السياق، عمدت دول «التحالف»، في سياسة ممنهجة، إلى قطع كل سبل الحياة عن أبناء المحافظات الجنوبية، وأبقت لهم باباً واحداً هو القتال في الجبهات الشمالية. فتم تجنيد عشرات الآلاف في تشكيلات خاصة، وتعيين قادة من «داعش» و«القاعدة» على رأس تلك التشكيلات بعدما تم استيعابهم في تسوية واضحة المعالم. ومن هنا، فليس صدفة أن يكون قادة ألوية «العمالقة» الستة بأجمعهم سلفيين حاربوا «أنصار الله» في دماج، ثم قاتلوا إلى جانب القوات الإماراتية التي دخلت عدن، وحالياً يقاتلون «أنصار الله» في جبهة الساحل الغربي. ولا يقتصر الأمر على ألوية «العمالقة»، فكل قادة ألوية «الحزام الأمني» من السلفيين، كما أن ألوية «الحماية الرئاسية» التابعة للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتي تم استقدام عدد منها في الأسابيع الأخيرة إلى جبهة الساحل، تشكل هي الأخرى جزءاً من أدوات استيعاب السلفيين.
أدوات زودتها الإمارات بأحدث أنواع الأسلحة الغربية، فيما أدار الضباط الإماراتيون عمليات مقاتليها، الذين كان يرفدهم شيوخٌ، وظيفتهم التحريض المذهبي، واستنساخ أدبيات «القاعدة» و«داعش» في رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وفي التعامل مع الأسرى والمدنيين. وهو ما لا يفرق كثيراً عما جرى في كل من سوريا والعراق، حيث خرجت الفصائل المسلحة عن كل القيم الدينية والقوانين الإنسانية والدولية، واتبعت منهجاً همجياً في معاملة الأسرى، ولم تفرّق بين المدنيين والعسكريين، وأعدمت الآلاف بأبشع الصور من خلال قطع الرؤوس والصلب والإعدام حرقاً وبإطلاق النار، أو تقطيع أعضاء الجنود وهم أحياء.
المفارقة أن دولة الإمارات، التي تناصب الإسلام السياسي العداء، تعتمد في اليمن على قوى سلفية تدين بالولاء الخالص لها، وتعمل وفق برامج سياسية، وتمارس طرقها القتالية انطلاقاً من أيديولوجيتها، علماً بأن أبو ظبي كانت جرّبت الاستفادة من فصائل جنوبية غير سلفية، إلا أن هذه الأخيرة لم تثبت في المعارك لفقدانها المشروعية والدوافع والأهداف، تماماً مثلما حصل في سوريا حيث تراجعت الفصائل غير الدينية ليتصدّر «داعش» و«القاعدة» ــــ الفرع السوري (جبهة النصرة) المشهد.