ليست المرة الأولى التي تخرج فيها علاقة الإمارات بتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» إلى العلن. إلا أن تحقيق وكالة «أسوشيتد برس» الأخير قدّم تفاصيل جديدة بشأن طبيعة الصفقات التي يعقدها التنظيم مع الإمارات وحلفائها في الميدان اليمني. سبق أن أميط اللثام عن معطيات بشأن العلاقة الميدانية بين التنظيم وباقي الفصائل، وبالصوت والصورة في بعض الأحيان، حيث ظهر ـــ مثلاً ـــ مقاتلو «القاعدة» جنباً إلى جنب مع باقي الفصائل الموالية للتحالف السعودي ـــ الإماراتي في أحد أفلام «بي بي سي» الوثائقية. وهو ما تؤكده كذلك بيانات التنظيم وأمراؤه وإصداراته المصورة، التي تفاخر فيها بدعم «أهل السنّة» في حربهم ضد «الروافض»، كما أكد في أكثر من إعلان.في تعز، كما الحال في مناطق أخرى، يبدو «التعايش» بين التنظيم والتحالف السعودي ـــ الإماراتي وحلفائه جلياً، حيث يحظى مقاتلو «القاعدة» بحرية الحركة والعمل والنشاط الديني والعسكري، من دون أن يحدث صدام جدي. جلّ ما قامت به الإمارات، في السنوات الثلاث الماضية، هو وضع استراتيجية لإعادة توزيع القوى وفق مصالح محددة، تبدأ بإبعاد الإرهابيين عن السواحل، والإيحاء بالاستجابة للضغوط الأميركية للانخراط في «محاربة الإرهاب». ونُفّذت هذه السياسة بتكتيكات تكررت كثيراً في المحافظات اليمنية الجنوبية، بما يشمل الإعلان عن «معركة كبرى» تحشد لها القوات الأميركية، يتبعه «تبخر» مقاتلي «القاعدة» وإعلان انتصار على الإرهاب. تتقاطع المعلومات عند اتفاقات متشابهة تخرج بعد مفاوضات عادة ما ينخرط فيها زعماء قبليون، وينجم عنها تسليم مناطق مقابل الانخراط في ميليشيات تابعة للإمارات والحصول على «ترقيم عسكري».
ذكّر قرقاش بعمليات بلاده ضد «القاعدة» والتي هي أصلاً محلّ إدانة


في هذا السياق، يوضح تحقيق «أسوشيتد برس» أن صفقة عُقدت بين «التحالف» وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي من جهة، و«القاعدة» من جهة مقابلة. وتنصّ بنودها على الانسحاب الآمن لمقاتلي التنظيم من المدن الجنوبية، قبل ضمّهم إلى الأذرع العسكرية الجنوبية المموّلة إماراتياً، ومن ثم الزجّ بهم في القتال ضد حركة «أنصار الله» وحلفائها في المحافظات الشمالية. واستند التحقيق إلى عمل المراسلين الصحافيين في اليمن، ومقابلات مع عشرات المسؤولين، بمن فيهم ضباط أمن، وقادة ميليشيات، ووسطاء قبليون، وكذلك مع عناصر من تنظيم «القاعدة». وروى هؤلاء تفاصيل صفقة تمت منتصف عام 2016، قضت بالانسحاب من مدينة المكلا في حضرموت، مع منح مقاتلي التنظيم طريقاً آمنة للخروج بسلام، والاحتفاظ بأسلحتهم، وحوالى 100 مليون دولار نهبوها من المدينة، قبل أن تتكرّر التجربة في أماكن أخرى، أبرزها أبين وزنجبار، حيث انضم المقاتلون إلى قوات «الحزام الأمني» المموّلة إماراتياً. وتحدث شيخ قبلي يدعى طارق الفضلي (سبق أن تدرب على يد أسامة بن لادن)، للوكالة، عن أنه كان على تواصل مع «مسؤولين في السفارة الأميركية، ومسؤولين من التحالف، لإبلاغهم بتفاصيل الانسحاب». أما اتفاق بلدة السعيد (محافظة شبوة)، والذي تم في شباط الماضي، فقد تضمن بحسب التحقيق وعداً من «التحالف» بدفع رواتب لعناصر «القاعدة».
في مقابل ما قدمه تحقيق «أسوشيتد برس»، اكتفى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بالتذكير بعمليات بلاده ضد «القاعدة في جزيرة العرب»، وإخراج التنظيم من المكلا، علماً بأن العمليات تلك هي نفسها محلّ الإدانة، بعدما أضاف التحقيق تأكيدات جديدة على أن علاقة الإمارات بالتنظيم التكفيري تتخطّى إخضاعه للإغراءات للتخلص من خطره إلى الاستثمار في مقاتليه بوجه القوات اليمنية. وعدم اكتراث أبو ظبي لهذا الأمر تؤكده شهادة المستشار السابق لمحافظ تعز، عبد الستار الشمري، الذي سمع جواباً من قيادته، بعدما نبّههم إلى وجود «القاعدة»، يقول: «سنتّحد مع الشيطان لمواجهة الحوثيين».