أيّاً كان ما ستؤول إليه المباحثات حول معادلة التهدئة مقابل التسهيلات لسكان قطاع غزة، الجديد لا يكمن في موقف فصائل المقاومة التي من الطبيعي أن يكون موقفها الثابت فكّ الحصار عن سكان القطاع، لكن الثابت الذي أكدته في كل المحطات السابقة رفض المقايضة على سلاح المقاومة ودورها النضالي في مواجهة المخططات المحدقة بالقضية الفلسطينية.ليس صدفة أن يأتي هذا الطرح بعد مضيّ أكثر من عقد على الصراع، وبعد تصاعد النضال الشعبي الفلسطيني في الفترة الأخيرة، بدءاً من مسيرات العودة وتصاعد النضال الفلسطيني، وصولاً إلى جولات تبادل الضربات الصاروخية المسقوفة. منشأ محاولة التوصل إلى هذه المعادلة يعود أولاً إلى صمود قطاع غزة، بسكانه وفصائله المقاومة، وإلى أولويات تفرض نفسها على المؤسسة الإسرائيلية، تتصل بمواجهة تحدي الجبهة الشمالية... وبعدما وجدت تل أبيب أنه بات عليها أن تقرر، تحت وقع الضغوط الداخلية التي تفاعلت على وقع تطور أساليب النضال الفلسطيني، اتخاذ قرار يؤدي إلى التهدئة أو أن مسار التطورات قد يتدحرج نحو جولات إضافية ستكون أكثر اتساعاً. وهو ما لا يريده أي من الأطراف، من ضمنهم كيان العدو، وهو ما أوضحه وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، من أن مواجهة عسكرية شاملة بهذه المرحلة بمثابة خيار سيئ بالنسبة إلى إسرائيل، موضحاً أنه إذا ضمنت «التهدئة» المصالحة الأمنية لإسرائيل، فلا بد من دعمها وتثبيتها مع الحفاظ على احتياجات سكان القطاع الإنسانية وإنجاز صفقة التبادل. ولفت إلى أن البديل للتسوية أو «التهدئة» سيكون الذهاب نحو مواجهة عسكرية شاملة مع غزة. وهو ما يشير إلى أن أصحاب المواقف المتشددة في المجلس الوزاري المصغر يدعون إلى إعطاء فرصة لنجاح الخطة. وفي هذا الإطار، قال وزير الإسكان يوآف غالانت: «أتوقع أن نعطي فرصة للخطة المصرية، أما الآمال في أن توصل إلى عملية بعيدة المدى تعزز الهدوء، فهي جداً محدودة»، مشدداً على أن «التهدئة مع حركة حماس مصلحة أمنية لإسرائيل، وعليه لا بد من التوصل إليها».
ثبت في العديد من محطات المواجهة والضغوط أن محاولة انتزاع تنازل يتعلق بسلاح المقاومة مقابل رفع الحصار ليس هدفاً قابلاً للتحقق، نتيجة صمود الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة وتصميمهم على مواصلة طريق النضال. وفي هذا الإطار، نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية عن أن اقتراح «التهدئة» الذي يحركه مبعوث الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، يشمل مراحل عدة. في المرحلة الأولى، يُفتَح معبر رفح بانتظام ويجري التخفيف على معابر بيت حانون وكرم أبو سالم. وفي المرحلة الثانية، يُوقَّع اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس لتجديد دفع الرواتب ودخول السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، تحت إشراف مصري وإعداد الأرضية لإجراء الانتخابات في غضون ستة أشهر. وعلى أن يجري في المرحلة الثالثة الاستثمار في البنية التحتية في غزة وتُخفَض البطالة، ويُربط ميناء غزة ببورسعيد لنقل البضائع. أما المرحلة الأخيرة، فيُتَّفَق فيها على هدنة طويلة الأمد بين قطاع غزة وإسرائيل من 5 إلى 10 سنوات، مع إتمام صفقة التبادل، لكن من دون تحديد جدول زمني للمراحل المقترحة.
تهدف إسرائيل إلى تحقيق أكثر من نتيجة، بدءاً من توفير الهدوء على جبهتها الجنوبية الذي تحوّل إلى عامل إرباك واستنزاف للقيادة السياسية، وعودة الاستقرار إلى مستوطنات غلاف غزة. هذا بالإضافة إلى تقييد القطاع عبر التسهيلات المشروطة الذي يؤدي دوراً أساسياً في الإبقاء على القضية الفلسطينية في صدارة المشهد السياسي والإقليمي، ويؤدي دوراً استنهاضياً للشارع الفلسطيني. ومن جهة أخرى، تراهن من خلال هذه التسوية على تحييد القطاع من أجل التفرغ لتهديد «الجبهة الشمالية» الذي يحتل الأولوية القصوى لدى المؤسستين السياسية والاقتصادية.
رغم ذلك، إن المعادلة المطلوب ترتيبها تواجه أكثر من تحدٍّ، إذ للطرف الفلسطيني مطالبه وخطوطه الحمراء، وأيضاً فإن قضية المعتقلين تشكّل تحدياً جوهرياً لدى الطرفين. وحول ذلك، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر سياسي رفيع، قوله إن التسوية لن تجري من دون حل قضية الأسرى في القطاع، وفي المقابل تحتل قضية المعتقلين والأسرى أولوية لدى الطرف الفلسطيني. وتشكّل هذه القضية تحدياً وعقبة أمام المستوى السياسي في تل أبيب.
ويبدو أن هناك رهاناً في تل أبيب عبّر عنه غالانت، بالقول إن «حماس موجودة في ضائقة... وهذه الضائقة تجعلهم يعيدون حساباتهم». لكنه عاد ولفت إلى أن «اتفاق تهدئة قد لا يصمد لفترة طويلة»، مشيراً إلى أنّه «عندما تعيش في منطقة كهذه توجد فيها جهات عديدة، بينها حماس وحزب الله، لا تعترف بحقنا بالوجود، فإن الإنجاز الذي يحدد النتيجة السياسية هو الإنجاز العسكري». وفي الإطار نفسه، رأى وزير الاستخبارات وعضو الكابينت، يسرائيل كاتس، في حسابه في «تويتر»، أن «الوضع في غزة يقترب من الحسم. إما التسوية أو الحرب»، مضيفاً أنه «ينبغي اشتراط أي مساعدة لغزة بمسار واضح لإعادة الشهداء والأسرى».