معركة الشمال: «الفصل الأخير»

  • 0
  • ض
  • ض

«إنه أحد الأيام المجيدة ليس فقط في تاريخ الجمهورية التركية، بل يتعداها إلى تاريخ السلطنة العثمانية». بهذا الوضوح، وُصف نجاح الجيش التركي في احتلال عفرين (يوم 18 آذار الماضي) في الحملات الانتخابية التي سبقت الانتخابات التركية. لم يكن اختيار 18 آذار لدخول الجيش التركي إلى عفرين، بالتزامن مع الذكرى الثالثة بعد المئة لتمكّن العثمانيين من التصدي للهجوم الفرنسي البريطاني على مضيق «جاليبولي/ جناق قلعة»، مجرد مصادفة، فالمتابع لمجريات معركة «غصن الزيتون» يدرك أنه كان في مقدور تركيا استكمال احتلال عفرين قبل هذا الموعد بأيام على أقل تقدير. جاء اختيار الموعد المذكور إمعاناً من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في استثمار «غصن الزيتون» في خطاب شعبوي يداعب الشارع بمختلف توجهاته، قبيل الدعوة إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في حزيران الماضي. أمام التيار الإسلامي، تم الربط بين معركة «جناق قلعة» التي توصف لدى الإسلاميين بأنها «آخر معركة كبرى بين المسلمين والكفار»، وبين معركة عفرين التي «خاضها المسلمون (الجيش التركي، فصائل إسلامية وجهاديون من أنحاء العالم) ضدّ الملاحدة الكرد»، وفق تعبير «الإخوان» ومن والاهم. أمّا في أوساط التيار القومي التركي، فتمّ الترويج لاحتلال عفرين بوصفه «قضاء على أحد أكبر التجمعات الكردية في سوريا». التوسّع في الربط بين معركة عفرين واستثمار إردوغان لنتائجها في الانتخابات التركية ليس ترفاً أو استفاضة غير مبررة في إطار مناقشة مستقبل الشمال السوري، بل هو ضرورة لفهم المخرجات غير المعلنة للاجتماعات واللقاءات الدولية الخاصة بالأزمة السورية، وعلى رأسها اجتماعات «أستانا». ومن نافل القول إن تركيا تمكنت من احتلال عفرين بقوة السياسة أولاً، أما القوة العسكرية فكانت مجرد تفصيل. ويستدل على هذا بالغطاء الدولي الذي حظيت به «غصن الزيتون» برغم حجم الانتهاكات الكبيرة التي ارتُكبت خلال المعركة، أو في فترة ما بعد احتلال عفرين (استخدام أسلحة محرمة دولية، قتل المدنيين، الخطف، السلب، تدمير الآثار وسرقة ما لم يدمّر، حرق الغابات والأراضي الزراعية، تحويل عفرين وقراها إلى معتقل كبير تمارس فيه كل أنواع التعذيب والتنكيل، العمل على تغيير الهوية السكانية لمدينة عفرين.. إلخ). اليوم، بات الرئيس التركي مُطالباً بـ«أن يُعطي» بعدما أخذ كل ما يحتاج إليه لضمان فوزه بالانتخابات الرئاسية وتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي. وأوّل وأهمّ ما يجب عليه دفعُه هو الشمال السوري. ويبدو جليّاً أن معركة الشمال السوري بدأت فعليّاً، لكن بشقّها السياسي. إنّ مفتاح الوضع في الشمال السوري هو «التوافقات السياسيّة». أما الأعمال العسكرية، فهي تفاصيل تتبع التوافقات. ليس من المتوقّع أن تسير الأمور بسلاسة تامّة، فالوصول إلى التوافقات المطلوبة يبدو أمراً بالغ التعقيد في ظل صراع الإرادات الدولية (الإرادة السورية الإيرانية، الإرادة الروسية والأميركية، والإرادة التركية). إنّ الشمال السوري، بلا شك، واحد من مسارح «صراع الإرادات الدوليّة» لذلك فهو بات ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات. وهو، في الوقت نفسه، مؤهّل ليشهد كتابة «الفصل الأخير» في الحرب السورية.

0 تعليق

التعليقات