الشمال السوري: ميزان «الحرب والسلم»

  • 0
  • ض
  • ض

على امتداد الأزمة السوريّة، احتفظ الشمال بثقَلٍ خاصّ في كل الملفّات والمراحل. ورغم أنّ كلّ واحدة من الجهات الحدوديّة الأربع تصدّرت واجهة المشهد في بعض المراحل، انطلاقاً من خصوصيّة تميزها، فإنّ تعقيدات الشمال ظلّت باستمرار حاضرة ومؤثّرة. الثقل الاستثنائي الذي حظي به الشمال السوري في إذكاء نار الحرب، يفرض نفسه اليوم على مفترق الطرق الأخير ويستعدّ للعب دور يتجاوز مستقبل «الحرب والسلم» إلى مستقبل البلاد برمّتها. ثمّة أربع بؤر شماليّة، لكلّ منها تعقيداتها الخاصّة بها، والمتداخلة في الوقت نفسه مع تعقيدات البؤر الأخرى. تفرض «قوّات سوريا الديمقراطيّة» سيطرةً متصلة على بؤرة تمتدّ من منبج (ريف حلب الشمالي الشرقي) إلى عين ديوار (ريف الحسكة الشمالي الشرقي)، وتتداخل تعقيدات هذه البؤرة بتعقيدات ملف الشرق السوري ووجود قواعد الاحتلال الأميركي، كذلك تتداخل في الوقت نفسه بتعقيدات المناطق المحتلّة تركيّاً. وتتوزّع الأخيرة على بؤرتين: مناطق «درع الفرات»، ومناطق «غصن الزيتون»، ولكلّ منهما ظروفها ومعطياتها الخاصّة، سواء من حيث ماهيّة المجموعات المسلّحة المنتشرة فيها، أو ديموغرافيّة السكّان وميولهم السياسيّة. أمّا رابعة البؤر، وأشدّها تعقيداً، فهي «بؤرة إدلب» بما تضمّه من تنظيمات «جهاديّة» ومجموعات «إسلاميّة» سوريّة، ومسلّحين قادمين من معظم الجبهات السوريّة من رافضي التسويات، واكتظاظٍ مدنيّ كبير. علاوةً على نقاط المراقبة التركيّة، ونقاط المراقبة الإيرانيّة والروسيّة المنتشرة في محيطها، ومناطق استعادة الجيش السوري السيطرة عليها في مطلع العام الحالي. ويشكّل الوجود «القاعدي» في إدلب تفصيلاً جوهريّاً بالغ الأهميّة، ويترك الباب مفتوحاً أمام «مشهد أخير» مؤجّل قد يجمعُ كل النقائض في مواجهة «الجهاد العالمي». ولا تقتصر منعكسات هذه التعقيدات على المشهد الميداني، بل تتعدّاه إلى نظيره السياسيّ بما يخفيه وراء الأبواب المغلقة من تفاهمات وتقاطعات مصالح، و«تحت الطاولات» من صفقات مُعدّة أو في طور الإعداد. وتعي دمشق أنّ «النصرة» ونظراءها باتوا «مشكلة تركيّة» بقدر ما هي مشكلة سوريّة، إن لم يكن أكثر. ويبدو أنّ معسكر دمشق وحلفائها قد أفلح في تحويل ملف «الجهاد في إدلب» إلى مشكلة «عالميّة» تجعل كلّ اللاعبين ملزمين في مرحلة ما بلعب دور في التصدّي لها، على نحو يستحضرُ تجربة تقويض نفوذ «داعش». فيما تفرض مناطق «درع الفرات» نفسها (وبدرجة أقل «غصن الزيتون») بوصفها «مربط فرس» في مستقبل الحرب السوريّة ومآلاتها النهائيّة، سواءٌ أكانت السطور الأخيرة عسكريّة الطابع أم سياسيّة.

0 تعليق

التعليقات