على رغم المعارك المرتقب انطلاقها خلال وقت قريب، ضد تنظيم «داعش» في بادية السويداء الشرقية، إلا أن الأعين تحوّلت نحو الشمال السوري، حتى قبل انتهاء العمليات العسكرية قرب حدود الجولان المحتل. منطقة «خفض التصعيد» في إدلب وريفها، وريف حلب الغربي، باتت اليوم، تجمع آلاف المسلحين من أبناء بلداتها ومن كامل الجغرافيا السورية، إلى جانب الأجانب الذين تدفقوا لسنوات عبر الحدود. وأصبح الحديث عن مصيرها، أحد أهم التساؤلات المطروحة، إلى جانب مصير مناطق النفوذ التركية والأميركية في الشمال والشرق. وكما ساهمت مخرجات «أستانا» في تغيرات واسعة في الميدان، ومن خلفه السياسة، تبدو اليوم، صاحبة الثقل الأهم في صياغة مستقبل إدلب ومحيطها. وتدعم هذا التصور، تطورات شهدتها الأشهر الماضية، ولا يزال بعضها مستمراً، لم تخرج عن توافقات الدول الضامنة الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، في هذا الشأن. فبعدما سيطر الجيش السوري على المناطق الواقعة شرق سكة القطار في ريف إدلب الشرقي وصولاً إلى ريف حلب الجنوبي، بمعارك مع جزء من الجماعات المصطفة حينها إلى جانب «هيئة تحرير الشام»، عاد اتفاق إجلاء سكان بلدتي كفريا والفوعة، ليكتمل بعدما تعطّل خلال محاولات سابقة لتنفيذه. اليوم، تنتشر نقاط تشغلها وحدات من قوات البلدان الضامنة على طرفي خط التماس حول منطقة «خفض التصعيد»، ومن غير الممكن أن يتم أي نشاط عسكري خارج حدود قبول ــ أو رقابة على الأقل ــ إحدى تلك الأطراف، كما حدث في هجمات شنتها تنظيمات «قاعدية» في ريفي حماة واللاذقية، أخيراً، ليس بعيداً من نقاط مراقبة تركية.
موسكو: سيتم التعامل بقوة مع أي استفزازات في منطقة إدلب ومحيطها

اليوم، تتسارع التطورات المرتبطة بمصير تلك المنطقة. ومع انتهاء جولة جديدة من لقاءات الضامنين في سوتشي أول من أمس، وصلت الرهانات التركية على تحييد أي تصعيد عسكري محتمل من جانب القوات الحكومية، إلى نقطة مفصلية، تتطلب منها تشكيل «جسم عسكري موحد» يمكن إدارته، ويكون محوراً يمكن عبره تذويب الفصائل «الإرهابية» وفق معايير «أستانا»، وهو التزام تعهدت بتنفيذه تركيا مراراً. التجارب التركية السابقة في هذا الشأن لم تصل حد الاكتمال، وشابها فشل على عديد من المستويات، انعكس صراعاً شبه مستمر بين «هيئة تحرير الشام» والمؤسسات التابعة لها، والمكونات العسكرية والمدنية الباقية. وشهد أمس، أول تجلٍ للجهود التركية الجديدة في هذا السياق، مع إعلان توحد عدد من الفصائل تحت اسم «الجبهة الوطنية للتحرير»، والتي اندمجت ضمنها «جبهة تحرير سوريا» (تضم «أحرار الشام» و«حركة نور الدين زنكي») و«جيش الأحرار» و«ألوية صقور الشام» و«تجمع دمشق». هذا التوحد أتى بعد شهرين من إعلان تشكيل «الجبهة الوطنية للتحرير» من 11 فصيلاً كان أبرزها «فيلق الشام»، ليتم توسعتها اليوم وتضم جميع الفصائل الرئيسة في إدلب وريف حلب، باستثناء «هيئة تحرير الشام» والفصائل «القاعدية». إطلاق التشكيل الجديد يضع إدلب ومحيطها، على سكة مناطق «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، حيث تم توحيد القيادة العسكرية تحت مسمى «الجيش الوطني». ووفق ما رشح من تصريحات عن اجتماعات سوتشي الأخيرة، فإن مدى نجاح هذا التوجه التركي، سيكون محدداً لمصير «خفض التصعيد» في تلك المناطق. ولا يستبعد هذا الرهان، قيام عمليات عسكرية في بعض المناطق مثل ريف حماة واللاذقية، قد يحارب ضد الجيش السوري فيها، الفصائل الرافضة لتطبيق مخرجات «أستانا» والدخول في الجيب التركي بالكامل. وهو ما أكدته تصريحات رئيس الوفد الروسي إلى أستانا، الكسندر لافرينتيف، التي قال فيها إن بلاده تراهن على نجاح «المعتدلين» في التخلص من «الإرهابيين» في إدلب، إلا أنه أشار إلى أن «أي استفزازات سوف يتم التعامل معها في شكل صارم، وصبر روسيا يمكن أن ينفذ». وفي موازاة تطورات في إدلب، تعمل تركيا لضمان مكاسبها من التفاهمات الأولية مع الجانبين الروسي والأميركي، في شكل منفصل، في كل من تل رفعت ومنبج. التصريحات التركية الأخيرة بهذا الخصوص، كانت تشير إلى أن الوضع في المنطقتين «لا يجري وفق المخطط له». غير أن الدوريات التركية ما زالت تنسق مع نظيرتها الأميركية عملها في شمال منبح، في حين لا تشهد تل رفعت أي تواجد كثيف للقوات السورية. وفي موازاة الزيارات الأميركية شبه الدورية إلى مدينة منبج، حلّ قائد القوات الأميركية في أوروبا، كورتيس سكاباروتي، ضيفاً أمس، على وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، لنقاش عدد من الملفات المشتركة بين البلدين، وعلى رأسها الوضع في منبح. وعلى رغم التوتر بين البلدين، تؤكد تصريحات مسؤولي الطرفين، أن التعاون في منبج لن يتأثر بأي من تلك التطورات، والتي كان آخرها العقوبات الأميركية الجديدة على وزيري الداخلية والعدل التركيين.