لم تكن المملكة المغربية، شأنها شأن العديد من الدول في القارة الأفريقية، بمعزل عن تأثيرات الأزمة الخليجية التي اندلعت في حزيران/ يونيو 2017. لكن الديناميات القطرية المستجدة في هذه الدولة ظلت على مستوى متأخر من الخطورة بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي، مقارنةً بما شهدته دول أخرى كالسودان، لسببين: أولهما أن التموضع الاستراتيجي للرباط كعاصمة محسوبة على «محور الاعتدال»، وذات صلات وثيقة بتل أبيب، لم يتعرض منذ ما قبل عام 2011 (تاريخ الفالق الذي ضرب المنطقة وما أعقبه من ارتدادات) لاهتزازات باعثة على القلق لدى عواصم الخليج. وثانيهما أن لنظام الحكم في المغرب خصوصية متمثلة في ما للملك وحاشيته من مساحة نفوذ كبيرة، توازي إن لم تكن تتفوق على المساحة التي تتحرك ضمنها السلطة التنفيذية، ولعلّ تلك الخصوصية هي التي تتيح للسعودية والإمارات هامشاً واسعاً لممارسة تأثيراتهما السياسية على الرباط، والحيلولة دون أي تبدّل مضرّ بمصالحهما. ومع ذلك، يعتري حاكمَي الرياض وأبو ظبي القلقُ حيال التحركات القطرية في المغرب، والمتركّزة ـــ بحسب ما تفيد به وثائق مُسرّبة من السفارة الإماراتية في الرباط تنشرها «الأخبار» اليوم ـــ على عنصرين: أولاً) تعزيز العلاقة بحزب «العدالة والتنمية» (إخوان مسلمون)، وتدعيم القاعدة الاجتماعية لهذا الأخير بما يقوّي أوراقه على الساحة السياسية، وثانياً) العمل على «اختراق» (بحسب التعبير الذي يستخدمه القائم بالأعمال الإماراتي بالإنابة سعيد مهير الكتبي) عائلة محمد السادس بأداة المؤتمرات واللقاءات والزيارات، بما يُمكِّن قطر من «التأثير في قرارات القادة»، وفق ما يقول الكتبي أيضاً. وفي مواجهة تلك الاستراتيجية الثنائية، يشتغل الإماراتيون ـــ طبق ما تظهره الوثائق المُشار إليها ـــ على السعي بالقطريين داخل الأروقة المغربية، وكذلك اتخاذ خطوات تجاه الملك وخاصّته موازية لخطوات الدوحة.خطة مجابهة لا يبدو أن أبو ظبي تمتلك ما يناظرها على الساحة العراقية، حيث يظهر دورها متركزاً على الفعل «التجسّسي»، سعياً في لعب دور ضمن ما يسميه السفير الإماراتي، حسن أحمد الشحي، «التخلص من النفوذ الإيراني الطاغي في العراق»، والتصدي لمحاولة من يصفها بـ«القوى الميليشياوية» الدفع نحو «تبنّي موقف مؤيد للمحور القطري ـــ الإيراني».

السفارة الإماراتية: لإبعاد «موزة» عن قصور الحكم في المغرب!

يقترح الكتبي القيام بمبادرات تجاه عائلة الملك لتمتين العلاقات العائلية، بهدف إبعاد «للا سلمى» عن الشيخة موزة (أرشيف)

ترصد السفارة الإماراتية في الرباط كلّ صغيرة وكبيرة في التحركات القطرية تجاه المغرب. هذا ما تجليه الوثائق المسرّبة من تلك السفارة، والممهورة بتوقيع السفير سعيد الكتبي أو السكرتير الأول في السفارة سيف خليفة الطنيجي. يعدّد الكتبي، في اثنتين من أصل 5 وثائق، ما تقوم به الدوحة من خطوات لدعم حزب «العدالة والتنمية» من جهة، والترويج لقضيتها في الشارع المغربي من جهة أخرى. من بين الخطوات المذكورة «دعم الجمعيات الخيرية التابعة لحزب العدالة والتنمية، حيث يتم التركيز على المناطق القروية... وهذا من شأنه توسيع نفوذ حزب العدالة والتنمية في هذه المناطق، واستقطاب تأييدها في الانتخابات المقبلة»، و«السعي للدعاية الإعلامية لأجندتها السياسية عبر الصحف المتعاونة معها، وأيضاً لإعطاء الانطباع للرأي العام المغربي أن جلالة الملك محمد السادس خلال زيارته لقطر يقوم بدور الوساطة لإيجاد حل للأزمة»، و«السعي من خلال دعم تنظيم الإخوان لتدمير منطقة المغرب العربي، سواء ذلك من خلال رصد مليار دولار أو من خلال الشق الإعلامي، وذلك بإنشاء قنوات تلفزيونية محسوبة على هذا التيار بالمنطقة المغاربية»، وفق ما يشير إليه الكتبي في وثيقة مؤرخة في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 تحمل عنوان: «تقرير حول تحركات السفارة القطرية في المغرب».
خطوات يُضاف إليها، بحسب ما يرد في وثيقة أخرى معنونة بـ«تقرير حول اتصالات لوكالات إعلانات دعائية لفائدة قطر» ومذيلة باسم الطنيجي (14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017)، «استعمال وكالات للاتصال والإعلانات من أجل نشر دعايتها (أي قطر) وأخبارها بما يخدم أجندتها السياسية في المغرب». إزاء ذلك، «تقوم السفارة (الإماراتية) بشرح مخاطر السياسة القطرية في المغرب، وتهديدها لأمن البلاد، وهذا ما يحتاج أيضاً إلى تدخل الجهات العليا في الدولة مع جلالة الملك لتبيان الدور القطري التخريبي»، على حدّ تعبير الكتبي في الوثيقة الأولى عينها. أما بالنسبة إلى العلاقة بين الدوحة والملك محمد السادس وعائلته وحاشيته، فيبرز الحديث عنها في وثيقتين أخريين: واحدة مؤرخة في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 وتحمل عنوان «تقرير حول زيارة ملك المغرب إلى قطر»، وثانية معنونة بـ«تقرير حول دور الأميرة للا سلمى في زيارة ملك المغرب إلى قطر» (21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
يعدّد السفير ما تقوم به الدوحة من خطوات لدعم حزب «العدالة والتنمية»


يتوقع الطنيجي، في الوثيقة الأولى، أن «تعزز هذه الزيارة العلاقات الثنائية بين قطر والمغرب في مختلف المجالات، وذلك من خلال طرح مشاريع اقتصادية تنموية قطرية في المغرب، ودعم الاقتصاد المغربي، وتحقيق الشراكة الاقتصادية بين البلدين». توقع لا يرفقه السكرتير الأول في السفارة بتقديرات وتحليلات تحمل طابعاً تحذيرياً، خلافاً لما يظهره القائم بالأعمال بالإنابة في الوثيقة الثانية، حيث ينبّه إلى أن «اتصالات قوية تربط بين الأميرة للا سلمى حرم العاهل المغربي والشيخة موزة بنت ناصر المسند»، واضعاً ذلك في إطار «سعي قطر إلى اختراق مربع الحكم في الأنظمة العربية عن طريق ربط علاقات خاصة بين الشيخة موزة بنت ناصر المسند وزوجات القادة العرب، في إطار دعوات لحضور مؤتمرات ولقاءات في الدوحة أو القيام بزيارات ودّ ومجاملة بهدف توطيد العلاقات الإنسانية التي سرعان ما تتطور إلى التأثير في قرارات القادة بشأن تطوير العلاقات مع قطر». ويتوقف الكتبي، أيضاً، بنوع من الاهتمام، عند «برقية التهنئة التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمناسبة توليه الحكم في 25 يونيو 2017»، لافتاً إلى أنها «المرة الأولى التي يستعمل فيها جلالة الملك عبارة (عرى الأخوة المتينة والتقدير المتبادل التي تجمعنا شخصياً وعائلتينا)»، مضيفاً أن «هذا ما يؤكد الدور الذي تقوم به الأميرة للا سلمى والشيخة موزة بنت ناصر المسند في تعزيز هذه العلاقات». ومن هنا، يقترح الكتبي «على الجهات العليا في الدولة القيام بمبادرات تجاه عائلة الملك لتمتين العلاقات العائلية، بهدف إبعاد للا سلمى عن الشيخة موزة صاحبة السلطة الفعلية في قطر».
اقتراحات وتوصيات يغلب عليها طابع العلاقات العامة، على عكس ما بيّنته الوثائق المسربة من السفارتين الإماراتيتين في كل من مسقط والخرطوم من تلويح بالضغط والترهيب والابتزاز. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما على اعتقاد أبو ظبي ومعها الرياض بأن إبقاء الرباط في «بيت الطاعة» لا يتطلب جهداً استثنائياً، وما القرار الذي اتخذه المغرب مطلع أيار/ مايو الماضي، بقطع العلاقات مع إيران، واتهامه «حزب الله» بدعم «جبهة البوليساريو»، إلا دليل على أن المغرب لا يجرؤ على خلع العباءة السعودية ـــ الإماراتية. ومع ذلك، فإن امتناع السعودية والإمارات والبحرين، أخيراً، عن التصويت لمصلحة احتضان المغرب فعاليات كأس العالم لعام 2026، مضافاً إليه تراجع الاستثمارات والهبات الخليجية الممنوحة للرباط، يشيان بأن قائدتَي المقاطعة لا تزالان تحتفظان بالعصا في جيبهما تحسباً لأي تطورات غير سارة.



قلق إماراتي من تأثير «للا سلمى» على الملك


في الوثيقة المعنونة بـ«تقرير حول دور الأميرة للا سلمى في زيارة ملك المغرب إلى قطر»، يورد القائم بالأعمال الإماراتي بالإنابة سعيد مهير الكتبي ما يلي:
«* أفادت مصادر مطلعة أن الأميرة للا سلمى، حرم جلالة الملك محمد السادس، ملك المملكة المغربية، التي تربطها علاقات خاصة بالشيخة موزة بنت ناصر المسند، والدة أمير قطر، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، لعبت دوراً مؤثراً في إقناع جلالة الملك ببرمجة زيارته إلى قطر بموازاة الزيارة التي قام بها إلى الدولة لحضور افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي.
* أكدت هذه المصادر أن الأميرة للا سلمى تضطلع بدور مؤثر لتطوير علاقات المغرب بقطر وأنها لعبت دوراً كبيراً في تعزيز الاتصالات مع الأسرة الحاكمة في قطر، وأنها تستضيف الشيخة موزة في إطار زيارات خاصة تقوم بها إلى المغرب.
* لوحظ أن اتصالات قوية تربط بين الأميرة للا سلمى حرم العاهل المغربي، والشيخة موزة بنت ناصر المسند التي تحضر سنوياً في مهرجان الموسيقى العريقة بمدينة فاس المغربي الذي ترأسه الأميرة للا سلمى، وبالمقابل شاركت حرم العاهل المغربي في أعمال مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية في نوفمبر 2016 تلبية لدعوة من الشيخة موزة.
* أضافت ذات المصادر أن الشيخة موزة بنت ناصر المسند أهدت للأميرة للا سلمى فيلا بجزيرة «كيا» اليونانية بقيمة 3.8 مليون يورو، وبالمقابل أهدت الأميرة للا سلمى، للشيخة موزة، مزرعة بمنطقة بين الويدان التي تقع بين مدينتي بني ملال ومراكش.
* كما أهدت الأميرة للا سلمى قطعة أرض للشيخ موزة لبناء إقامة لها بمدينة مراكش وتم تكليف شركة «بريماريوس» المملوكة للقصر الملكي بالإشراف على تصميم إقامة الشيخة موزة وبنائها».


أبو ظبي «تُجنِّد» وزراء مغاربة
في وثيقة مؤرخة بـ20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، تحمل عنوان: «تقرير حول امتناع الوزير المغربي المكلف بالجالية المغربية بالخارج وشؤون الهجرة عن حضور المؤتمر السنوي للشرطة الدولية حول مكافحة الإتجار بالبشر وتهريب الأشخاص المنعقد في 6 - 7 ديسمبر المقبل بالدوحة»، يحتفي القائم بالأعمال الإماراتي بالإنابة، سعيد مهير الكتبي، بهذا «الإنجاز»، قائلاً إن «جهود السفارة نجحت في ثني معالي عبد الكريم بنعتيق الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالجالية المغربية بالخارج وشؤون الهجرة، عن المشاركة في المؤتمر السنوي الخاص الذي تنظمه الشرطة الجنائية الدولية «الإنتربول» الخاص بمكافحة الإتجار بالبشر وتهريب الأشخاص والمقرر عقده في 6 - 7 ديسمبر 2017 بالدوحة». وبعد أن يصف الكتبي، بنعتيق، بأنه «تربطه علاقات جيدة مع السفارة (الإماراتية)»، يلفت إلى أن الأخير «تلقى اتصالاً هاتفياً من معالي ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، حيث أكد عليه أهمية وضرورة المشاركة في المؤتمر (...) غير أنه رفض المشاركة بناءً على تمنياتنا عليه، ووافقنا الوزير المغربي على وجهة نظرنا بأن قطر ليست لديها سياسة خارجية واضحة، وأن التطورات الحالية في المنطقة تقتضي تفادي أي اتصالات مع الجانب القطري، خصوصاً بعد حادث نشر الصورة لجلالة الملك محمد السادس بالدوحة وهو يحمل وشاحاً مكتوباً عليه «لكم العالم ولنا تميم»». وينقل الكتبي عن بنعتيق، كذلك، تأكيده، أن «وزارته تعطي الأولوية في علاقاتها مع دول الخليج بشكل عام لتطوير تعاونها مع دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص».


تعاون أمني بين الدوحة والرباط
في الوثيقة المعنونة بـ«تقرير حول زيارة ملك المغرب إلى قطر» (15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017)، يلحظ السكرتير الأول في السفارة الإماراتية في الرباط، سيف خليفة الطنيجي، «حضور فؤاد عالي الهمة، مستشار جلالة الملك، وأقرب المقربين لجلالته، والمقرب للجانب القطري، في المباحثات». كذلك يلحظ «استثناء ياسر الزناكي، مستشار جلالة الملك من الحضور، رغم أنه يرافق جلالة الملك في الزيارة، ورغم أن له علاقات ومصالح تجارية مع الأسرة الحاكمة في قطر». ويعتبر الطنيجي «حضور فؤاد عالي الهمة مستشار جلالة الملك المكلف بالأمن القومي، ومحمد ياسين المنصوري، المدير العام للاستخبارات الخارجية، مؤشراً على وجود تعاون أمني واستخباراتي بين البلدين، إضافة إلى وجود رغبة لدى الطرفين لرفع مستوى هذا التعاون الثنائي». ويشير الدبلوماسي الإماراتي، ضمن الوثيقة نفسها، نقلاً عن «مصادر مطلعة»، إلى أن «السفارة المغربية بالدوحة قامت بالتنسيق مع السلطات القطرية بتعبئة المغاربة المقيمين بالدوحة للحضور بكثافة في الاستقبال الرسمي والشعبي الذي خصصه أمير قطر لملك المغرب أثناء وصوله إلى الدوحة».