هدف طموح يبدو أن ما شجّع قيادة «التحالف» على تبنيه أمران: أولهما أن القوات الموالية له تمكنت خلال الأيام الماضية من السيطرة على عدد من المناطق في مديرية التحيتا، بما فيها مركز المديرية. وثانيهما أن تلك القوات استطاعت الوصول إلى المزارع الفاصلة بين التحيتا وزبيد، والسيطرة على أجزاء من الطريق العام الفاصل بين المديريتين. لكن حسابات الميليشيات المدعومة إماراتياً، ومن ورائها قيادتها، تبدو في غير مكانها لأسباب عدة من بينها: أن المناطق ذات الطابع الاستراتيجي في مديرية التحيتا، والتي تمرّ عبرها خطوط إمداد المهاجِمين، من مثل الفازة والجاح والسويق والمدمن والمجيليس، لا تزال في قبضة الجيش واللجان الشعبية، وبالتالي فلا يمكن الحديث عن تحكم كامل وثابت لـ«التحالف» بمديرية التحيتا، بل إن هذا «الإنجاز» يبدو مُهدَّداً بالانفراط في أي لحظة. يُضاف إلى ما تقدم أن القوات اليمنية المشتركة أعدّت لمعركة زبيد ما يلائمها من خطط وكمائن، استعداداً لتكبيد الميليشيات المدعومة إماراتياً خسائر بشرية ومادية لن تقلّ فداحة - بحسب مصادر مطلعة - عما لاقاه المهاجِمون في الأسابيع الأولى من المعركة. ومن هنا، تتوقع المصادر «مواجهات شرسة» في زبيد، توازياً مع هجمات متجددة للجيش واللجان في جنوب الخط الساحلي، وتحديداً في الوازعية، حيث تتسبب الغارات المتكررة لمقاتلي القوات المشتركة المتمركزين في مناطق قريبة من «المفرق» بإرباك القوات الموالية لـ«التحالف»، والتي يضطر الأخير في كثير من الأحيان إلى إمدادها بالمؤن بواسطة الطيران.
لا تزال القوات المشتركة مسيطرة على المناطق الاستراتيجية في «التحيتا»
وقائع يُزاد إليها الطابع التاريخي الذي تتسم به مدينة زبيد، والذي يُرجَّح أن تتصاعد الضجة في شأنه خلال الأيام المقبلة، ما سيشكل عائقاً إضافياً أمام «التحالف»، خصوصاً منه الإمارات التي باتت شديدة التحسس من كل ما يمسّ بسمعتها المزعومة. والجدير ذكره، في هذا الإطار، أن زبيد، التي كانت عاصمة لليمن ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، تُعدّ معقلاً رئيساً من معاقل المذهب الصوفي في هذا البلد، وهي تضمّ العديد من المعالم الأثرية العائدة إلى قرون مضت. ولذا فإن اقتراب الميليشيات المدعومة إماراتياً، والتي يتصدّر السلفيون صفوفها، من المدينة المُدرجة على قائمة الـ«يونسكو» لمواقع التراث العالمي المُعرّضة للخطر، يُعدّ تهديداً جدياً لها، بالنظر إلى ما كان ارتكبه هؤلاء من أعمال تدمير وتخريب، تجلى آخرها في شهر حزيران/ يونيو الماضي عندما أقدم السلفيون على هدم ضريح العلامة الصوفي، أحمد الفاز، في منطقة الفازة بمديرية التحيتا.
على أي حال، يبدو أن أبو ظبي والرياض اتخذتا قراراً بمعاودة تجريب حظهما في معركة الحديدة. قرار لم تقتصر بوادره على المؤشرات الميدانية، بل شملت أيضاً التعامل بطريقة وُصفت بـ«المهينة» مع المبعوث الأممي إلى اليمن لدى اعتزامه مغادرة العاصمة صنعاء بعد زيارة استمرت 3 أيام. إذ أفادت مصادر ملاحية في مطار صنعاء الدولي بأن المسؤولين في غرفة عمليات «التحالف» رفضوا منح طائرة مارتن غريفيث إذناً بالمغادرة عند الخامسة من مساء أمس، على رغم أن مكتب مندوب المنظمة الدولية كان أبلغ السعودية مسبقاً بالموعد المقرر. وبعد تأخير استمرّ قرابة ساعة ونصف ساعة، سُمح لطائرة غريفيث بالإقلاع، في تصرّف فُسّر على أنه رفض للجهود التي يقودها الرجل من أجل استئناف مفاوضات السلام.
هذه «الإهانة» المقصودة لا تنبئ بأن جبهة «التحالف» يمكن أن تبدي في خلال الأيام المقبلة مرونةً إزاء المقترح الأممي القاضي بوقف التصعيد استعداداً للجلوس إلى طاولة الحوار، علماً أن «أنصار الله» لم تمانع الاستجابة لهذا البند الذي يندرج ضمن الخطة الشاملة التي يروّج لها غريفيث. ووفقاً لمصدر في المكتب السياسي للحركة، تحدث إلى «الأخبار»، فإن مندوب المنظمة الدولية اقترح الدخول في مفاوضات أولية يمكن أن تنعقد الشهر المقبل في سويسرا، على أن تناقش 3 ملفات هي: البنك المركزي ورواتب موظفي الدولة، أسرى الحرب، والممرات البرية والبحرية والجوية. وأضاف المصدر أن انعقاد جولة مشاورات جديدة ذات طابع إنساني يظل مرهوناً بموافقة السعودية والإمارات على تجميد العمليات. وهو شرط لا يبدو، إلى الآن، أن الدولتين مستعدتان للقبول به، خصوصاً بعدما لمستا أن المبعوث الأممي لا يحمل همّ منح «التحالف» «إنجاز تحرير الحديدة»، بقدر ما يشتغل على خطوط متوازية يأمل أن يتمكن من تحقيق اختراقات عبرها.