عمان | للمرة الثالثة، يمنح مجلس النواب الأردني الثامن عشر، الذي انتخب في أيلول 2016، الثقة للحكومة؛ المجلس نفسه منحها مرتين لحكومة هاني الملقي التي ترنحت وسقطت بعد أقل من أسبوع على اندلاع الاحتجاجات في الحادي والثلاثين من أيار الماضي، إذ كانت قد حصلت على الثقة في تعديلها الوزاري الأخير قبل ذلك بثلاثة أشهر من الاحتجاج. من هنا، لم يكن مستغرباً أن تأخذ تشكيلة الدكتور عمر الرزاز «فرصتها» بحكم ما اعتاده رؤساء الوزراء المعينون من الملك، إذ لم تُحجب الثقة عن أي من حكوماتهم منذ تولي عبد الله الثاني مقاليد الحكم عام 1999! وجاءت الثقة بموافقة 79 عضواً من عدد الحاضرين الذين بلغوا 123 نائباً (من أصل العدد الكلي للمجلس 130)، فيما حجبها 42 نائباً، وامتنع 2 عن التصويت، وغاب 6 نواب.الرزاز، الذي جاء من رحم الوزارة المقالة أو المستقيلة (لا فرق)، قدّم وعداً بسحب قانون ضريبة الدخل كحسن نية، وبذلك عاد المحتجون إلى بيوتهم، وانقشع رهج الهتافات عن الطرق المؤدية إلى دارة رئاسة الوزراء على الدوار الرابع التي قصدها المحتجون في آخر يوم من كل المحافظات. لكن عملياً انتهت مناقشات التشكيلة الوزارية الجديدة التي درات لعشرة أيام ليفاجأ الجميع بأن وعود رئيس الوزراء الجديد بحكومة رشيقة لم تكن إلا شعارات مستهلكة، فقد قدّم حكومة مكتنزة بـ28 وزيراً كما السابقة، بل بإعادة تسمية 15وزيراً منها مع احتفاظ وزير الخارجية بمنصبه، وهو الشخصية الوحيدة من بين الحكومة التي لها دور ضمن الفريق المصغر الذي يرافق الملك في كل جولاته ويضم عادة: مستشاره، ومدير مكتبه، ومستشاره للشؤون الاقتصادية.
اللافت في الأسماء التي غادرت التشكيلة استثناء وزير التخطيط عماد فاخوري، وهو من الشخصيات المرتبطة بالاستثمار وبالمشاريع الكبرى في المملكة، وأيضاً جعفر حسان، النائب الثاني لرئيس الوزراء السابق، الملقي، ووزير دولة للشؤون الاقتصادية، وهو من شغل منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي في جميع الحكومات الخمس التي تعاقبت قبيل وأثناء الحراك السابق في كانون الثاني 2011، إلى أن تم تعيينه في 2014 مديراً لمكتب الملك لأربع سنوات، قبل انتقاله إلى الحكومة المستقيلة في تعديلها الأخير لثلاثة أشهر فقط.
هذه الحكومة الثالثة التي يعطيها البرلمان نفسه ثقته


وخلال مناقشة البيان الوزاري، على مدى خمسة أيام، مرت لقاءات بين الحكومة والكتل النيابية في الشأن الاقتصادي الداخلي المتعلق بتحفيز الاستثمار والنمو ومحاربة الفساد، إضافة إلى طرح مصطلح «العقد الاجتماعي» وربط ذلك بالنهضة الشاملة وهو ما أخذ الكثير من النقاشات سواءً تحت قبة البرلمان أو في وسائل الإعلام، لما يحمله هذا المصطلح من تأويلات كان قد نفاها الرزاز. من ناحية أخرى، وصف البيان المرحلة التي يمر بها الأردن بـ«المخاض العسير، وذلك بفعل ظروفٍ إقليميّة، وتحوّلات جذريّة، تمثّلت في فوضى سياسيّة، وحروب واقتتال، وتداعيات اقتصادية تركت آثارها العميقة... ذلك يحتّم على الأردنيين تقييم الواقع لاستخلاص الدروس والعِبر».
والمشكلة، وفق مراقبين، أن محاور البيان الوزاري لم تتطرق إلى خطة عمل بل كانت خطوطاً عريضة بلا جدول زمني، كما أنها تعاملت مع الشأن السياسي بالارتكاز على الأوراق النقاشية الملكية من جهة، والديباجة الرسمية المعروفة حيال القضية الفلسطينية التي يكررها الأردن حيال رؤيته لحل الصراع عبر «حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية»، والأهم تأكيد الوصاية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس. يأتي هذا مع الصلاحيات الواسعة للملك التي جاءت بعد التعديلات الدستورية الأخيرة قبل عامين، مقابل تراجع لصلاحيات رئيس الوزراء أو ما يسمى اصطلاحاً الولاية العامة له.
أما المناقشات النيابية للبيان الوزاري، سواء باسم الكتل الموجودة أو بصورة شخصية للنواب، فلم تخرج بالمجمل عن الخطاب الشعبوي المغرق في الشعارات والتفاصيل على رغم الإقرار بصعوبة المرحلة المقبلة التي تترافق مع تسريبات «صفقة القرن». ومن المهم التذكير بأن هذه النقاشات الطويلة تأتي من تشكيلة المجلس نفسه الذي أقرّ واحدة من أقسى الموازنات على الأردنيين في آخر يوم من العام الماضي، لذا لا يمكن أخذ كلمات النواب على محمل الجد أو الاقتناع بتأثيراتها في خط سير الحكومة الحالية أو غيرها.
يذكر أن البرلمان حوّل النائب غازي الهواملة إلى لجنة السلوك النيابية للتحقيق معه بعد أن تطرق في كلمته، التي امتلأت بالوعظ الديني، إلى موضوع ولاية رئيس الوزراء التي وصفها بالولاية المنقوصة وغير المكتملة، إذ جاء في حديثه أن تداخل اختصاص مهمات الملكة مع الملك «يجده البعض عبئاً على الأردن وعلى سياسة الأردن». وأضاف الهواملة أنه لم يقرأ أو يسمع ولم يجد «في كل الأمم، لا في البحر ولا في البر، لا في الطيور ولا في الزواحف، لا عند الجن ولا عند البشر، أن مملكة تدار من ملكين أو ملكتين أو من ملك وملكة حتى في خلايا النحل». الهواملة، وهو أحد نواب محافظة الطفيلة الجنوبية، ليس من الشخصيات البارزة في البرلمان، لذلك نُظر إلى كلمته على أنها خارجة عن أي بعد سياسي، كما شطب رئيس المجلس كلامه عن الملكة من المحضر!