على طاولة مستطيلة في محيط «حديقة الجاحظ» غرب دمشق، تجتمعُ ثلاث فتيات لا يشتركن في أنّ أعمارهنّ تجاوزت السادسة والثلاثين فحسب، بل في أنّ كلّاً منهنّ على علاقة مع شاب يصغرها بسنوات. لا تُمانع رؤى من عرض صورة صديقها الذي يصغرها بست سنوات، وتتحدث عن علاقتهما المستمرة منذ سنة ونصف السنة تقريباً. تتشجع رانية وتقرّ بأنّها أيضاً على وشك الوقوع في شباك حبّ شابّ يصغرها بعامين، ثمّ يكتمل العقد مع اعتراف الثالثة بأنها منذ عشرة أشهر في علاقة مع شابّ ثلاثيني. «ليست مصادفة» تقول رؤى لـ«الأخبار»، وتضيف: «لم يبقَ شبّان في أعمارنا أو يكبروننا بقليل. معظمهم اختفى أو هاجر، وبعضهم قطع علاقته معي لأسباب سياسيّة. لا أكاد أجد حولي سوى الإناث». تقودُ الشابّة سيارتها الحمراء، وتقف لتشتري الخبز والخضروات. لا تُبالي بالصراخ لبائع الغاز لكي يحضر لها أسطوانة جديدة، وتقوم بتركيبها بنفسها. تقول ابنة السابعة والثلاثين: «ليس لديّ إخوة شباب، ولا صديق ولا حبيب، أقوم بكل ما يقوم به أقراني الذكور (...) أنظرُ حولي فلا أجدهم إلا على هاتفي المحمول أو على فايسبوك. هم مجرّد صور، وحبّ صورهم لا يتعدّى الإعجاب... اللايك!». في أثناء حياتها الدراسيّة في كلية الصيدلة، كانت رؤى على علاقة بشاب يكبرها بعامين، لكنّه سافر إلى ألمانيا قبل أربعة أعوام. ظلّا على تواصل بعدها أشهراً معدودة، قبل أن «تبرد علاقتهما وتنتهي بصمت». تقول: «بقيت بلا رجل طوال الفترة السابقة، إلى أن تعثّرت أخيراً بشاب مهضوم في معهد لتعليم اللغة الإنكليزية. تبادلنا الإعجاب والنظرات، ثم قلت لنفسي في النهاية: لِمَ لا؟!».

«أحبّ، ولا أخاف الوحدة!»
الثامنة مساءً بتوقيت دمشق، موعد اللقاء اليومي بين حسناء (36 عاماً)، وسعد (31 عاماً)، بعد أن يُنهي كلٌّ منهما أعماله ولقاءاته. بدأت الحكاية بجولة قصيرة في السيارة، سرعان ما تحوّلت إلى سلوك يومي مع سؤال متكرر: «قهوة أم بوظة؟»، ثم حديث عن العمل وآخر عن الحياة... أسابيع قليلة كانت كافية ليبوح سعد بمشاعره لصديقته التي تكبره بخمسة أعوام!
تتحدّث حسناء بثقة عن علاقتهما، قائلةً: «سابقاً أحببتُ أشخاصاً بعمري، وأكبر منّي، ولم يكتب لتلك العلاقات النجاح. الحبّ يفرضُ نفسه بقوّة عندما يكون صحيحاً». تقول: «أفتقدُ بشدّة وجود أصدقاء ذكور إلى جانبي، لقد تحوّل محيطي إلى عالم نسويّ، معظم أصدقائي الذكور سافروا أو ماتوا». تعملُ حسناء في مجال المحاسبة، وتهتمّ بقراءة كل ما يتعلّق بالحفاظ على الصحة ونضارة الجسم، تقول معترفةً بهواجسها: «رغم أنّ موضوع استمرار العلاقة رهنٌ بكثير من العوامل غير العمر، فإنني أخشى أن يشعر (سعد) بفارق العمر، أو يندم في بعض اللحظات لأنّني أكبر منه».

«أشعرُ بأنوثتي»!
تقتربُ إلهام من بلوغ عامها الأربعين، أخفت عمرها عن مواقع التواصل الاجتماعي. تحرص دائماً على إخفاء الشعر الأبيض الذي بدأ يتسلّل ويظهر بوضوح على رأسها، لكنّ التجاعيد القليلة على يدها كفيلة بفضح الأمر. تبحث دائماً عمّن يصغرها سنّاً، ولا تتردّد بالإفصاح عن محاولاتها لجذب شبان في العشرينيات أو الثلاثينيات. تقول وقد أنهت منذ قليل «جلسة تنظيف» لبشرتها: «يزيدني الأمر ثقة بنفسي وجمالي. حين أستطيع جذب انتباه شاب يصغرني أشعر بأنوثتي، وبأنني ما زلتُ صالحة للحب والجنس والحياة». تواظب إلهام على جلسات «المسّاج» والعناية بالجلد والبشرة، وقد نجحت مراراً في الدخول بعلاقات مع شبّان أصغر منها سنّاً، تقول: «لديّ الخبرة ولديه الحماسة، إذاً نحنُ متكاملان ونستطيع أن نبدأ حكاية، ونستمرّ بها».
لا تُلقي رنيم بالاً لـ«العلاقات غير الجادّة»


في نهاية جلسة طويلة، نسأل إلهام إذا ما كانت تنوي الارتباط والإنجاب من رجل عشريني، فتقول: «في سنوات الحرب، لم أجرؤ على الدخول بعلاقة ملتزمة، ولا أتشجّع لإنجاب أطفال في عالم مليء بالموت. أما اليوم، وبعد أن غفت الحرب قليلاً، فقد فاتني القطار (...) أنا الآن أعيش لأعيش».

«كوكب زمردة»
في غرفة التحرير في مقر إذاعة خاصّة في دمشق، تجلسُ رنيم (29 عاماً) خلف حاسوبها لتتابع عملها. في القاعة ذاتها خمس فتيات أُخريات، وشاب وحيد بينهنّ. تمازحه إحدى الجالسات: «أهلاً بك في كوكب زمردة» في إشارة إلى الفقرة الخاصة بالفتيات على قناة «spacetoon» الشهيرة.
لا تُلقي رنيم بالاً لـ«العلاقات غير الجادّة». تقول: «لا أنا لست من ذلك النوع، أريد علاقة تنتهي بزواج وعائلة واستقرار، لكن النصيب لم يطرق بابي بعد». تزاول الفتاة أعمالاً عدّة، وتنتقل يومياً بين أماكن عملها. تصادفُ الكثير من الشباب والرجال، جلّهم أصغر منها بكثير، أو أكبر منها بكثير، بعد أن ذاب أقرانها الذكور بين غياهب السفر وجبهات القتال. مع ذلك تصرّ على أنّها لن تتزوّج ممّن يصغرها. تقول: «أُفضّل البقاء وحيدة على أن أتزوج من يصغرني (...) علاقة من هذا النوع سيكون مصيرها الفشل بعد سنوات قليلة فقط، حين تفضح السنوات عمر المرأة، ويبقى الرجل فتيّاً».

«الكبيرة بتريّح!»
قدّم محمود مشروع تخرّجه في «كلية الإعلام» الأسبوع الماضي، وهو على أبواب التخرّج الذي يخشاه ويؤجّله منذ سنوات. بلغ الرابعة والعشرين، ولم يعد مسموحاً له بعد الآن البقاء في الجامعة كي «يؤجّل خدمته العسكرية».
حول محمود في «كلية الإعلام» عشراتُ الفتيات، وعدد قليلٌ جداً من الشباب الذكور، لكنّ ذلك لا يُغريه أبداً، يقول: «الفتاة الصغيرة تريد الارتباط والزواج، الأمر الذي لا أقدر عليه أبداً ضمن ظروفي الحالية. أما الكبيرة فهي أنضج وأوعى، وغالباً ما تتجاوز فكرة الارتباط الدائم إلى القبول بعلاقة مؤقّتة». يبتسم الشاب ويضيف: «هناك فوائد اقتصادية أيضاً، غالباً الفتاة التي تكبرني يكون لديها عملٌ ووظيفة، ويمكن أن نتسكّع معاً. أما التي تصغرني فيجبُ أن أنفق عليها»!