يعبّر الموقف الإسرائيلي المعلن إزاء قمة هلسنكي ونتائجها، عن تجاذب بين الخشية الزائدة والتفاؤل الحذر، وإن كانت التعليقات الرسمية الصادرة عن تل أبيب، عمدت إلى الإشادة بالمواقف الصادرة عن الجانبين، وتحديداً الجانب الأميركي، من خلال التأكيد على أن «موسكو وواشنطن تعملان على المساعدة في ضمان أمن إسرائيل». هذه الإشارة الكلامية، الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كانت محل إشادة خاصة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وتحديداً ما يتعلق بـ«الالتزام العميق» لترامب بأمن إسرائيل، مع «تثمين» الموقف الواضح الذي عبر عنه الرئيس فلاديمير بوتين، حول ضرورة تطبيق اتفاقية «فك الاشتباك» بين إسرائيل وسوريا للعام 1974.وإذا كانت الإشادة باتجاه الحليف الأميركي، اعتيادية وردّ فعل كلامياً على تصريحات كلامية مقابلة، إلا أنها ذات دلالة كبيرة جداً، بما يتعلق بـ«تثمين» موقف «الصديق» الروسي حيال تطبيق اتفاقية عام 1974 بين الجيشين الإسرائيلي والسوري في الجولان. تثمين يشير إلى الحد الذي وصلت إليه إسرائيل في تطلعاتها حيال الساحة السورية، بعد أن كان الأمل لديها، لسنوات طويلة من الحرب السورية، في إسقاط النظام وإحلال آخر «معتدل» يصطف إلى جانبها في مواجهة أعدائها، تماماً كما هي حال إسرائيل مع «حلفائها» الجدد على امتداد العالم العربي.
مع ذلك، خرجت تقارير المراسلين والمعلقين أمس، على رغم التصعيد الأمني واللّا يقين حيال قطاع غزة وإمكان التدحرج إلى مواجهة واسعة، لتشيد بـ«السياسة الحكيمة» و«الإنجاز الكبير» الذي حققه نتنياهو في الساحة السورية، بعد أن فرض مصالح إسرائيل على الجانبين الأميركي والروسي. تأكيد بوتين على اتفاق «فك الاشتباك» للعام 1947، عُدّ إنجازاً كبيراً جداً لنتنياهو بحسب التقارير، التي بدت موجهة ومدروسة جداً من أعلى، لتطابقها وحرفيتها. الأمر الذي لم يصمد طويلاً، لتعود التقارير والتحليلات تصدر تباعاً، وتحديداً أمس، في إعادة إنتاج مقاربة جديدة لـ«الإنجاز»، والتساؤل عن الأهداف الإسرائيلية المعلنة تجاه الساحة السورية، التي لم تتحقق، ولا يبدو أنها في مسار التحقق.
وبدت إسرائيل في اليومين الماضيين، حلبة سباق بين رواية وتحليل يشيدان بنتنياهو ونتائج سياساته وتكبيرها، إلى حد توصيفها بالإنجاز، مقابل رواية وتحليل عدد كبير من المعلقين وكتبة الإعلام العبري، شككوا بـ«الإنجاز»، وتساءلوا عن «الخطوط الحمراء» و«المطالب اللارجعة فيها» تجاه الحرب السورية، وتحديداً ما يتعلق بإخراج القوات الإيرانية من كل سوريا، بما يشمل حلفاءها وسلاحها، مهما كانت الأثمان. التساؤل طُرح أيضاً حول كيفية الاكتفاء بتطبيق اتفاقية كان معمولاً بها وموضع لا ممانعة سورية، ليصار إلى توصيفها بـ«الإنجاز».
عن هذا الإنجاز الذي لم يكن ليعارضه أحد، تساءلت صحيفة «هآرتس»: «في محيط نتنياهو أظهروا أمس رضا من ذكر مصالح إسرائيل الأمنية في قمة ترامب ــ بوتين في هلسنكي. المهم لإسرائيل أن تعيد العمل باتفاقات الفصل الموقعة مع سوريا عام 1974، لكن هذا الهدف هو ثانوي بالنسبة للهدف الأساسي الذي يقلقها، وهو إبعاد إيران والميليشيات الشيعية عن الحدود، التي يؤكد نتنياهو دائماً على أن يكون من كل سوريا. لكن في مواجهة ذلك كثير من الشك، ومن غير الواضح إذا كانت روسيا ، وحتى أميركا، ستستجيب لطلبات إسرائيل، مثلما تعهدتا».
في ذلك تضيف صحيفة «معاريف» أمس، تأكيداً على محدودية القدرة الروسية وربما أيضاً الإرادة، على تحقيق ما يطلبه نتنياهو منها. وبحسب الصحيفة فإن نفوذ بوتين على إيران، وكذلك إرادته وقدرته، على إبعادها عن كل الأراضي السورية، محدودة، وبالتالي مشكوك جداً أن يتحقق طلب نتنياهو بإبعاد إيران وحلفائها وحزب الله والميليشيات عن كل سوريا.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» تساءلت حول جدوى قمة هلسنكي من ناحية إسرائيل، مع تأكيدها المقابل أن لا نتيجة فعلية تصب في المصلحة الإسرائيلية ما لم تكن قائمة على واقع إخراج الإيرانيين من سوريا. بحسب الصحيفة، لم تتلق تل أبيب أي بشائر إيجابية من القمة، والنتيجة هي تماماً مشابهة لنتيجة لقاء نتنياهو ببوتين في الأسبوع الماضي، حيث لا يزال الرئيس الروسي مصراً على أنه لا يمكنه فرض إرادته على الأسد ودفعه إلى إخراج الإيرانيين من سوريا. هذه النتيجة، بحسب الصحيفة، هي التي تهم الإسرائيليين من القمة، وهي الأمر الذي لم يتحقق.

روسيا وإيران... سوياً في درعا
إلى ذلك، أكد موقع» واللا» العبري، «فساد» الادعاءات الصادرة عن جهات سياسية في إسرائيل، وتشديدها المعلن على أن تعمل على إبعاد إيران عن الحدود مع إسرائيل والمنطقة الجنوبية في سوريا. وأشار الموقع، استناداً إلى مصادر وإلى صور ملتقطة من المكان، إلى أنه خلال المعارك الجارية أخيراً في محافظة درعا، عمل الجيش الروسي والجيش السوري وحزب الله والقوى الحليفة مع إيران، جنباً إلى جنب ضد المسلحين. «المعلومات» التي وصلت إلى الموقع العبري، أكدتها مصادر عسكرية في الجيش الإسرائيلي، وأضافت تفاصيل حولها، الأمر الذي يجعلها «معلومات» صادرة عن مصادر عسكرية إسرائيلية وإن تسريباً. بحسب هذه المصادر، الأطراف المذكورة، أي الجيش السوري وحزب الله و»الميليشيات» الموالية لإيران، قاتلوا سوياً وبشكل مشترك وحازوا على تغطية جوية روسية للعمليات البرية التي شنوها ضد الجماعات المسلحة في المنطقة.