رام الله | ما حدث أخيراً في تجمع الخان الأحمر (شرق القدس المحتلة)، الذي يقطنه بدو فلسطينيون، هو مشهد كبير ضمن مسلسل مأساة المناطق المصنّفة «ج» في الضفة المحتلة وضواحي القدس وفق اتفاق أوسلو، إذ يطمح العدو إلى تهجير قاطنيها تمهيداً لتنفيذ خطة قديمة تقضي بضمّ تلك المناطق إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وتدعى «آلون».تنص الخطة على تجزئة المُجزّأ من أراضي فلسطين وتحويلها إلى «كانتونات» معزولة، وكانت بعض بنودها تستهدف أراضي من قطاع غزّة، إضافة إلى جنين (شمال الضفة)، لكن صمود المقاومة الفلسطينية وتراكميتها في معارك استنزاف أجبرت العدو على التخلي عن البنود المتعلقة بغزّة وجنين.
وفي الأيام الماضية، هدمت جرافات العدو 20 منشأة في تجمع أبو نوار البدوي والخان الأحمر، ووقعت اشتباكات شديدة بين الأهالي يساندهم متضامنون، وبين العدو، ما أجبر محكمة إسرائيلية على وقف الهدم موقتاً، وتأجيل البت في قرار استئناف فلسطيني حتى الحادي عشر من تموز الجاري. هذا القرار، وفق معلومات «الأخبار»، جاء نتيجة تخوف الاحتلال من أن تُشعل مشاهد القمع موجة من العمليات الفدائية الجديدة، إضافة إلى إصرار الفلسطينيين على مقاومة الهدم، لكنه في المقابل سيماطل، وربما يستغل حالة الهدوء ليمضي في إجراءات الهدم في ما بعد، على ألا يلاقي ردّ فعل كبيراً.
في السياق، أكدت مصادر محلية أن قوات الاحتلال بدأت إقامة منازل متنقلة «كرفانات» قرب بلدة أبو ديس (شرق القدس)، صباح أول من أمس. ووصلت أمس دفعة جديدة من هذه المنازل التي يبدو أنها مخصصة لأهالي الخان الأحمر لإسكانهم فيها بعد طردهم وهدم بيوتهم. وتأتي هذه الخطوة، على غير عادة حكومة العدو خلال عمليات الهدم، في إطار محاولة تحسين صورتها داخلياً وخارجياً. كذلك، يستغل العدو هذه المنازل في سبيل «إرضاء» الفلسطينيين من البدو واستغلال طبيعة نمط حياتهم في التنقل، ومحاولة إيصالهم إلى منطق أن «التهجير من الخان كالتنقل»، وأن عليهم أن يُسلّموا بهذا الأمر.
سيناريو «الخان» قد يتكرر مع نحو 46 تجمعاً بدوياً في الضفة


الأخطر أن سيناريو «الخان» قد يتكرر مع نحو 46 تجمعاً بدوياً في الضفة، إذ إن شبح التهجير يُهدّد ربع مليون فلسطيني يعيشون في مناطق «ج» التي تشكّل 60 في المئة من مساحة الضفة. وعلى رغم خطورة هذا الملف، فإنه لا يحظى بالمستوى المطلوب من الاهتمام والتفاعل رسمياً وفصائلياً وحتى شعبياً. ولعل ذلك مرتبط بأن العدو ينفذ مخططاته بالتدريج في تلك المناطق، وبوتيرة بطيئة غالباً، مع أنها أحياناً تأخذ شكل «حملات خاطفة» لهدم عشرات المنشآت دفعة واحدة ثم تسود مرحلة هدوء، وبهذا يُجبر الناس على قبول الواقع الجديد بعد فوات الأوان.
ما هو «الخان الأحمر»؟
«الخان الأحمر» منطقة صحراوية تقع على الطريق الواصل بين مدينتي القدس وأريحا، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى رمالها التي تميل إلى الحمرة. أما الخان، فيشير إلى مصطلح النُزُل الصغير لاستراحة للقوافل، إذ يوجد النُزُل أو الفندق في المنطقة ويعود تاريخه إلى بداية العهد العثماني. تعتبر أراضي «الخان» امتداداً لبلدات عناتا، أبو ديس، العيزرية، وغيرها من مناطق شرق القدس المحتلة. ويسكن المنطقة منذ خمسينات القرن الماضي عائلات من عشيرة الجهالين الذين قدموا إلى المنطقة خلال النكبة بعد طردهم من النقب، ثم عاد العدو وهجّر العشيرة في الثمانينات لبناء «معاليه أدوميم»، كبرى مستوطناته، فمكثوا في الخان الأحمر. وتأتي أهمية «الخان الأحمر» من أنه يشكّل حلقة الوصل بين شمال الضفة وجنوبها، ما يعني أن «أسرلة» المنطقة حتماً سينتج منها شطر الضفة واقعياً إلى نصفين، فضلاً على فصل القدس نفسها عن هذين الشطرين.

خطة «آلون»
قبل نحو نصف قرن، رسم الصهيوني الأكثر تأثيراً في استراتيجية إسرائيل تجاه الضفة الغربية، يغال آلون، خطته لحسم مصير الأراضي المحتلة عام 1967. شددت الخطة على ضرورة ضم قطاع غزة إلى إسرائيل (ثم تراجع وأوصى بضم الجزء الجنوبي من القطاع فقط)، إضافة إلى ضم كامل الأغوار، والقدس «الكبرى» (تشمل القدس من خط 67 إلى الحدود مع الأردن، وأجزاء واسعة من رام الله وبيت لحم).
ويقول باحثون إن خطة «آلون» جرت عليها تعديلات، وعلى رغم ذلك كل خطة جديدة لا تزال تتمسك ببندين منها: الأول يقضي بضم الأغوار، إذ لا يكون للفلسطينيين أي حدود مع العرب، وذلك بهدف منع أي تواصل ديموغرافي بين شرق نهر الأردن وغربه، وكذلك ضم جنوب قطاع غزّة لمنع التواصل مع مصر. أما المبدأ الثاني، فهو متعلق بمنطقة الخان الأحمر ومناطق «ج»، وينص على تقطيع الضفة وتحويلها إلى «كانتونات» معزولة. ففي خطة آلون، كانت الضفة «كانتونين» كبيرين فقط (شمال وجنوب)، ولكنها أصبحت اليوم 168 كانتوناً ضمن 3 مناطق كبرى (شمال، وسط، جنوب). هكذا، يظهر بوضوح أن تهجير سكان الخان، وبناء مستوطنة «جيئولات تسيون» العام الماضي جنوب نابلس، يصبّان ضمن استراتيجية تمهّد لعزل الشمال عن الوسط تماماً، وعزل الوسط عن الجنوب، وتكريس «الكانتونات» في هذه المناطق.