انسحبت الأجواء الإيجابية التي أشاعها المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، في اختتام زيارته العاصمة صنعاء، على اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم أمس. إذ جاء البيان الصادر عن الاجتماع مُكمِّلاً لما أعرب عنه غريفيث من تفاؤل بإمكان التوصل إلى تسوية، في حين تضمنت الإحاطة التي عرضها الرجل خلال الجلسة - بحسب بعض المعلومات - رؤية موضوعية يمكن أن تفتح الباب على إيجاد حل للوضع في الحديدة. لكن، على رغم ذلك، ظلّت المؤشرات على الأرض تفيد بإمكان انهيار المساعي الأممية في أي لحظة، مع استمرار المناوشات العسكرية في غير منطقة من الساحل الغربي.وأعلنت القوات الموالية لتحالف العدوان، أمس، إطلاقها «عملية عسكرية واسعة لتحرير مركز مديرية التحيتا» جنوبي محافظة الحديدة. وادعت تلك القوات أنها «تمكنت من السيطرة على عدد من المواقع والمزارع التي تتحصن فيها الميليشيات الحوثية في محيط مركز المديرية»، مُهدِّدةً بأن «العملية لن تتوقف إلا بتحرير التحيتا». وفي الوقت نفسه، ذكرت وكالة «سبأ» التابعة لحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، أن «قوات الجيش الوطني دفعت اليوم (أمس) بتعزيزات كبيرة من ألوية العمالقة إلى منطقة التحيتا، في إطار الاستعدادات لتحريرها بالكامل والتحرك صوب مدينة زبيد».
هذه التحركات، وعلى رغم أنه لم يرافقها (كما جرت العادة) تهويل من القيادات الإماراتية والسعودية، تثبت أن خيار إعادة تجريب الحظ في محافظة الحديدة لا يزال مطروحاً على أجندة «التحالف». ولعلّ ذلك الاحتمال هو ما دفع الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى إبقاء عناصرهما على جبهة الساحل في حالة الاستعداد القصوى، بما يمكنهما من التصدي لأي محاولات تقدم جديدة. وهذا ما تحقق بالفعل يوم أمس، حيث تمكنت القوات المشتركة من «إفشال هجوم على شمال التحيتا، وتكبيد المهاجِمين خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وتدمير عدد من الأطقم والمدرعات» بحسب ما أفادت به مصادر عسكرية وكالة «سبأ» التابعة لحكومة الإنقاذ. وفي التحيتا أيضاً، نفذت وحدة متخصصة من الجيش واللجان «عملية نوعية في محيط منطقة الجبيلة سيطرت خلالها على عدد من التباب الرملية الهامة بعد تكبيد العدو ومرتزقته خسائر» من بينها «تدمير 6 آليات». أما في مديرية الدريهمي، فقد لقي 15 عنصراً من القوات الموالية لـ«التحالف» مصرعهم، وأصيب 20 آخرون بجروح، في «الهجوم النوعي الذي نفذه الجيش واللجان على أطراف منطقة النخيلة». وأشارت المصادر العسكرية نفسها إلى أنه تم خلال الهجوم «تدمير 5 آليات عسكرية»، مضيفة أن «العدو فشل في إخلاء قتلاه وجرحاه إلا من طريق البحر، بعد إطباق الجيش واللجان الحصار على المنطقة المستهدفة من جميع النقاط البرية».
تصدّت القوات المشتركة لمحاولات تقدم في شمال مديرية التحيتا


إفشال القوات المشتركة الهجمات المتجددة في مديريتي التحيتا والدريهمي، ترافق مع دخول مدينة عدن الخاضعة لسيطرة «التحالف» للمرة الأولى مجال عمل الطيران المسيّر، في تطور أريد منه إفهام السعودية والإمارات بأن «تحركات العدو وتجمعاته لن تكون بعد اليوم في مأمن»، وبأن «عليه أن يعيد حساباته»، بحسب ما نقلت «سبأ» عن مصدر عسكري. وأشار المصدر إلى أن «سلاح الجو المسير قصف بعدد من الغارات مقر قيادات تحالف العدوان في معسكر البريقة»، مضيفاً أن هذه الغارات «تمت بعد عملية رصد دقيقة»، وأنها «حققت أهدافها». واعترفت مصادر في تحالف العدوان بوقوع الهجوم، قائلةً إنه «تم إسقاط الطائرة بالدفاعات الجوية»، في وقت أكد شهود عيان سماعهم دويّ انفجار في الموقع المستهدَف. وعلى إثر العملية، توعّد وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، «قوى العدوان بالكثير من المفاجآت»، لافتاً إلى أن «مقتضيات معركة النفس الطويل ترسخت عوامل انتصارها واستمراريتها، ولا يمكن العدو التأثير في فعاليتها المتجددة القوية والرادعة».
وإذا كان مفهوماً استمرار الجيش واللجان في عملياتهما على الجبهات كافة كونهما لم يبادرا في إيقافها أصلاً مثلما فعلت الإمارات، فإن استئناف الميليشيات الموالية لـ«التحالف» محاولاتها التقدم على جبهة الساحل - في وقت لم تعلن قيادتها ذلك رسمياً - ربما يشي بامتعاض من المسار الذي تسلكه الجهود الأممية لإيجاد حل للوضع في الحديدة. مسار لم تغاير الإحاطة التي تقدم بها المبعوث الأممي، أمس، إلى مجلس الأمن، معالمه التي ظهرت في اختتام مشاورات صنعاء، خصوصاً لناحية استحالة تحقيق «انسحاب غير مشروط للحوثيين من الحديدة». يُضاف إلى ذلك، أن البيان الصادر عن المجلس تمحور حول 3 نقاط ربما تمثّل عامل قلق لجبهة «التحالف»، وهي: دعم متجدد لمارتن غريفيث، دعوة إلى إبقاء ميناءي الحديدة والصليف مفتوحَين، وتشديد على أن «الحل السياسي يبقى السبيل الوحيد لإنهاء النزاع». لكن تلك المحددات تظل بلا قيمة فعلية ما لم تجد دعامة مسانِدة من الدول التي لا تزال توفّر الغطاء لاستمرار الحرب، وهو ما سيتضح خلال الأيام المقبلة مع مواصلة غريفيث مشاوراته.