المكانة التي يحتلها البحر الأحمر في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي تكفي كمؤشر صريح ومباشر للدلالة على حجم الدور والتورط الذي يقدَّر، بل من المسلَّم به، أن إسرائيل تؤديه في الحرب السعودية ــ الأميركية على اليمن. بل لا حاجة أيضاً إلى معلومات خاصة ومحدَّدة للتأكد من أن لإسرائيل دوراً أبعد بكثير مما يجري تظهيره في وسائل الاعلام للأسباب المعروفة، ومنها محاولة طمس جانب أساسي من خلفيات الحرب التي يتعرّض لها اليمن.تتعدّد منابع اهتمام المؤسستين السياسية والأمنية في تل أبيب بتلك المنطقة، لجهة كون إسرائيل كيان مشاطئ للبحر الأحمر الذي تجول فيه سفنها العسكرية والمدنية، ولكون الأطراف المتصارعة في تلك المنطقة، منقسمة إلى حليف لإسرائيل ومعادٍ لها. أضف إلى أن البحر الأحمر يشكّل معبراً للوصول إلى الشواطئ الإيرانية وبالعكس، يشكّل بالنسبة إلى طهران ممراً مائياً إلى المنطقة. وما رفع من مستوى القلق الإسرائيلي في المرحلة الأخيرة، أن «أنصار الله» بتوجهاتهم العقائدية والاستراتيجية إزاء قضية فلسطين، باتوا حقيقة ثابتة من حاضر اليمن ومستقبله، ولم يعد بإمكان أي قوة إقليمية أو دولية القفز عنهم أو تجاهلهم، وتتعاظم قدراتهم الصاروخية المتنوعة، بما يهدد حركة الملاحة الإسرائيلية في تلك المنطقة التي تشكّل معبراً إلزامياً لإسرائيل من المحيط الهندي وإليه.
من الواضح أنه بعد فشل الحرب السعودية ــ الأميركية على اليمن، شعباً وكياناً، وقدرة الصمود المذهلة التي أظهرها مقاتلو اللجان الشعبية والجيش اليمني، واتضاح آفاق هذه الحرب لجهة عدم إمكانية الرهان على الحسم العسكري، بات على تل أبيب أن ترفع مستوى اهتمامها بواقع تلك المنطقة ومستقبلها، لجهة ما تنطوي عليه من تهديدات وفرص. في هذه الأجواء بالذات، دعا «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب القيادة الإسرائيلية إلى تركيز جهودها على منطقة البحر الأحمر وزيادة معرفتهم بهذه الساحة ودراسة كيفية استثمار الموارد العسكرية والسياسية لمنع تحقق التهديدات المحتملة على إسرائيل في هذه المنطقة، التي مصدرها «إيران ووكلاؤها» في إشارة إلى «أنصار الله».
ورأى «المعهد» أيضاً في القراءة التي قدمها الباحثان يوآل غوجنسكي وعوديد عيران، أنه من زاوية إسرائيلية، «الخطر المحتمل والمقلق جداً هو إيران، التي زادت في العقد الأخير من وجود أسطولها في منطقة خليج عدن». ولفت أيضاً إلى أن الجمهورية الاسلامية «لا تزال تسعى إلى الوجود البحري في البحر الأحمر عبر زيادة المساعدة للحوثيين، وسفنها رفعت علمها في البحر المتوسط أيضاً».
لم يعد الحديث عن التهديد الذي تشكّله «أنصار الله» مجرد تقدير نظري


وفي ضوء القراءة التي قدمها «المعهد»، لم يعد الحديث عن التهديد الذي يشكّله «أنصار الله» على الأمن القومي الإسرائيلي، مجرد مخاوف أو تقدير نظري، بل بات حقيقة قائمة، وخاصة بعد فشل العدوان السعودي الأميركي. وعلى هذه الخلفية، رأى أيضاً: «لقد تكوَّن تهديد جديد على حرية الإبحار (الإسرائيلي) في أعقاب الحرب في اليمن. المسلحون الحوثيون المدعومون من قبل إيران لغّموا مناطق على طول الساحل اليمني، واستخدموا قوارب مفخخة وصواريخ بر بحر، لضرب قطع بحرية عسكرية سعودية وأميركية». واستناداً إلى هذه الحقيقة التي سلمت بها القراءة، أضاف الباحثان الإسرائيليان أن هناك «مصلحة واضحة لإسرائيل بأن تكون يد الائتلاف العربي في اليمن هي العليا، لأن وجود قوات فيلق القدس الإيراني وحزب الله في اليمن يعرض المصالح الإسرائيلية للخطر، وقد يلحق ضرراً بالحركة البحرية من إسرائيل وإليها». ولم يُخفِ «المعهد» الدور الذي يمكن اليمن أن يؤديه في دعم المقاومة والقضية الفلسطينية، مشيراً إلى «تحويل اليمن إلى محطة ترانزيت للتهريب إلى حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، بدل السودان». وأضاف أن «هناك وجوداً عسكرياً لإسرائيل في اريتريا، وقدرة وصول استخبارية إلى الساحة اليمنية. وفي السابق هدد الحوثيون بأنهم سيهاجمون هذه المنشآت الإسرائيلية». لكنه في هذه الفقرة الأخيرة، استند في كلامه إلى مصادر أجنبية، بدل الإسرائيلية، وهو أسلوب يلجأ إليه المعلقون والخبراء الإسرائيليون للالتفاف على الرقابة العسكرية التي تمنعهم من الكشف عن مثل هذه الحقائق انطلاقاً من المصادر الإسرائيلية، فينقلها هؤلاء بالاستناد إلى المصادر الأجنبية.
وتابعت القراءة التي قدمها المعهد المختص بشؤون الأمن القومي، والأهم في إسرائيل، بالتشديد على ضرورة أن «يبقى القرن الأفريقي والبحر الأحمر على جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة. فالولايات المتحدة يمكن أن تساعد بالعلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة». ودعت في ضوء التطورات التي شهدها ويشهدها اليمن، إلى ضرورة أن تعمد إسرائيل إلى «تعريف مصالحها في البحر الأحمر، وفحص ما إذا كانت السياسات الحالية تخدم هذه المصالح... وفحص إقامة أجهزة تعاون، من بين جملة أمور لمنع تهريب الوسائل القتالية». وختمت القراءة بالكشف عن وجود «تعاون ليس بقليل»، ودائماً بحسب مصادر أجنبية، «مع بعض اللاعبين على ساحل البحر الأحمر في مواضيع أخرى»، وعن أن «تورط لاعبين من الخارج أنتج تضارب مصالح بينهم وبين الدول المجاورة على طول سواحل البحر الأحمر، وهذه الأمور انتجت أرضية مريحة لتعاون رسمي وغير رسمي أمني، اقتصادي وسياسي مع إسرائيل».