لا يزال الوضع الصحي لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يخيّم على الأجواء الداخلية لحركة «فتح»، بما ينعكس على المشهد السياسي الفلسطيني ومنظمة التحرير في شكل كامل. ووفق معلومات «الأخبار» فإن الوضع الصحي لعباس (83 سنة) غير مستقر، إذ يزور مستشفى رام الله التخصصي مرتين أسبوعياً ويجري فحوصات دورية إضافة إلى تلقيه جلسات علاجية لساعات ثم يغادرها. الصمت هو سيد الموقف. السلطة أعطت تعليمات بالتكتم الإعلامي وعدم حديث الأطباء عن وضع عباس الصحي الراهن. وبحسب المصدر نفسه، فإن الرئيس يمارس مهمات في أدنى مستوياتها، إذ يجلس في مكتبه لعدة ساعات أسبوعياً ويحضر الاجتماعات الأكثر أهمية فقط. ولم يغادر مدينة رام الله ولم ينتقل إلى أي مدينة داخل الضفة الغربية. وقد ألغى العديد من اللقاءات التي كانت مقررة مع قادة بعض الدول العربية «لمواجهة السياسة الأميركية اتجاه الفلسطينيين» ضمن ما يسمى «صفقة القرن».وفي محاولة لاستباق الأمور، تسارع قيادة «فتح» إلى ترتيب خلافة عباس قانونياً. وتتوجه لعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير لتعديل مرجعيات الرئاسة الفلسطينية واستحداث قوانين جديدة تسحب صلاحيات المجلس التشريعي وتعطي منظمة التحرير الحق في التصرف في حال شغور منصب الرئيس. وبحسب رئيس المجلس الوطني، سليم الزعنون، فإن من المتوقع أن يُعقد المجلس المركزي منتصف الشهر المقبل في رام الله.
إلى ذلك، تسعى «فتح» لجعل المجلس المركزي لمنظمة التحرير المرجعية التشريعية للسلطة باعتبارها انبثقت من المنظمة بعد تعذّر انعقاد المجلس التشريعي المنتخب بسبب الانقسام الفلسطيني، بما يمنحها إصدار التشريعات والتصديق على القوانين، والبت في منصب الرئيس في حال شغوره. وضمن الإطار، طرحت أوساط في الحركة إمكانية تقديم عباس استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وانتخاب قيادي «فتحاوي» آخر لها، ليشغل مهام القيادة في حال شغور منصب الرئيس، إلا أن هذا الطرح ووجه برفض شديد من قيادة «فتحاوية» كبيرة.
توافق «فتحاوي» لتعيين خليفة أو نائب للرئيس يتولى مهام الرئاسة بعد شغور المنصب


على ما يبدو، فإن «فتح» تسابق الزمن خشية حدوث انتكاسة جديدة لصحة عباس قبل عقد المجلس المركزي. وتشير مصادر لـ«الأخبار» إلى أن «توافقاً فتحاوياً بتعيين خليفة أو نائب للرئيس يتولى مهام الرئاسة بعد شغور المنصب وتغيير المرجعيات في حال شغور المنصب، من دون تحديد سقف زمني للرئيس الموقت». وخلال الأسابيع الماضية، عُقدت لقاءات عدة بين قيادات مركزية في «فتح» للتباحث في الأسماء المرشحة لخلافة عباس، إلا أن جميع التحركات باءت بالفشل في ضوء صراع أقطاب عدة داخل الحركة. وبعض القيادات «الفتحاوية» باتت تطرح توزيع تركة عباس إلى أربعة أقسام هي: رئاسة السلطة، ورئاسة منظمة التحرير، ورئاسة حركة «فتح»، ورئاسة الحكومة الفلسطينية، الأمر الذي زاد تعقيد المشهد حول توزيع تلك المناصب.
وفي السياق، علمت «الأخبار» أن قيادات «فتح» تعمل على تأخير إجراءات الانتخابات الفلسطينية لأطول فترة ممكنة في ضوء عدم جاهزيتها لها خلال الفترة الحالية، وتقلص فرص فوزها أمام تحالف محتمل يضم حركة «حماس» وفصائل غزة و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» والتيار الإصلاحي في «فتح»، بمرشح واحد توافقي بينهم. وفي حال فُرضت الانتخابات، تتجه «فتح» لإجراء انتخابات رئاسية في الضفة دوناً عن غزة، خشية تلاعب «حماس» بنتائج الانتخابات. في المقابل، أجرت فصائل فلسطينية عدة محادثات داخلية لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية «بعد أبو مازن»، ووضع تصورات لمواجهة تلاعب قد تقوم به حركة «فتح» في خلافته برئاسة السلطة. ويذكر أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على تولي رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة موقتاً في حال شغور مركز رئيس السلطة وذلك لمدة لا تزيد على ستين يوماً تُجرى خلالها «انتخابات حرة ومباشرة لرئيس جديد»، وهو ما يعني أن عزيز الدويك، النائب عن «حماس»، سيكون الرئيس الموقت، لكن «فتح» قد تعقد «المجلس المركزي لمنظمة التحرير» باعتباره «برلمان الشعب الفلسطيني». وهذا ما تؤكده تصريحات القيادي في «فتح»، عبد الله عبد الله، الشهر الماضي: «لا تحلموا بأن يصبح عزيز دويك، رئيساً مفترضاً للسلطة الفلسطينية حال فراغ منصب الرئيس... المجلس الوطني أعطى المجلس المركزي تفويضاً في حالة الطوارئ، بأن يأخذ القرار المناسب، خصوصاً أن من أسس المجلس التشريعي هو المركزي، فلا دويك ولا حماس لهما الحق في الحكم».