أطلّ زعيم حركة «أنصار الله»، مساء أمس، في مرحلة مفصلية على وقع مواجهات الساحل الغربي، مُعلِّقاً على سير المعركة ميدانياً وسياسياً. خطاب اختار توقيت انجلاء الغبار عن الجولة الأولى من المعركة المتواصلة في المنطقة الاستراتيجية، والتي أسفرت عن فشل الأهداف الموضوعة للهجوم بما فيها احتلال المطار، ليوجّه رسائل بالاستعداد لمزيد من الاستنزاف للقوى المهاجمة في موازاة سحب الذرائع السياسية لضرب ميناء الحديدة.وجّه زعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، رسالة واضحة إلى الوساطة الأممية في ملف ميناء الحديدة، مفادها بأن صنعاء تقبل بدور رقابي وفني ولوجيستي للأمم المتحدة على الميناء، أي توسيع الدور القائم أساساً للمنظمة الدولية. أكثر من ذلك، كشف الحوثي عن تبليغ حكومة الإنقاذ في صنعاء الأمم المتحدة بقبول إشراف المنظمة الدولية على إيرادات الميناء «على رغم قلتها، لقطع تبرير العدو بأن إيرادات حكومة الإنقاذ تأتي من الميناء»، على أن تكون الإيرادات للمستشفيات والرواتب وأبناء مدينة الحديدة، وهو ما يسحب ذريعة التحالف السعودي بأن «أنصار الله» تستفيد من عوائد الميناء وضرائبه. سحب الذرائع انسحب في خطاب الحوثي أيضاً على مزاعم «تهديد الملاحة البحرية»، حيث أكد أن «العمليات التي نستهدف بها البوارج الحربية التي تهدد الساحل تأتي لدفع العدوان عن الساحل والحديدة». واستدرك بالقول إن الأعداء «متعللون بالأباطيل»، واضعاً المعركة في إطار مخطط لـ«السيطرة على المدن الساحلية»، والذي شرع به التحالف السعودي منذ أكثر من سنتين مع معركة باب المندب. ونفى الحوثي الاتهامات بأن الصواريخ الإيرانية تصل إلى اليمن عبر ميناء الحديدة بالقول: «هذا افتراء... مع أنهم يدركون أنهم كاذبون، العدو يعرف أن كل السفن التي تدخل ميناء الحديدة تخضع لعملية تفتيش في جيبوتي وتمر بآلية تفتيش شديدة جداً من قبلهم». وعلى صعيد سير معركة الحديدة والساحل الغربي، أشار إلى أن «العوامل الجغرافية في الشريط الساحلي تساعد على التقدم فيها كونها منطقة مكشوفة»، لكن مع ذلك «قوى العدوان في الساحل الغربي محاصرة ومقطعة الأوصال ووضعها مزر وتُستهدف في كل لحظة». وتوعد الحوثي بأن «معركة الساحل الغربي ستكون مستنقعاً لإهلاك وإغراق قوى الغزو والعدوان»، مؤكداً وجود «دور فعلي ومباشر» لأميركا وبريطانيا في المعركة.
أدّت غارتان جويتان لـ«التحالف» إلى استشهاد وجرح عشرة عمال


وجاء خطاب زعيم «أنصار الله» تزامناً مع هزيمة إعلامية جديدة حلّت بقوى الغزو الخليجي وداعميهم على الساحل الغربي، مُترجِمةً الواقع الميداني على الجبهات الجديدة والمائل لمصلحة القوات اليمنية. صحيح أن صنعاء لم تشأ خوض «معركة الصورة» على مطار الحديدة، تأكيداً لعدم اعتبار المعركة سوى جولة صغيرة ضمن حرب أكبر، لا معنى استراتيجياً للمطار فيها، لكن ما لم يكن متوقعاً أن يأتي الانتصار «على طبق من فضة»، من خلال فشل الهجوم الضخم الذي تجدد على المطار، إلى أن انجلت غبرته مساء أمس عن تسجيل مصور جديد للقيادي في «أنصار الله»، محمد البخيتي، من قلب المطار. شريطان مصوران للبخيتي كلّفا الإمارات، عبثاً، عشرات الغارات وقصفاً مكثفاً من البحر، ومقتل العشرات من قوى المرتزقة والتكفيريين الذين زُجّ بهم في الهجوم. لكن الأسوأ بالنسبة لأمراء الحرب الذين يراقبون المعركة من بعيد ثمن إعلان احتلال مطار الحديدة أكثر من مرتين في الأيام القليلة الماضية، على لسان قناتَي «سكاي نيوز» الإماراتية و«العربية» السعودية، بل وعلى على لسان المتحدث باسم العدوان تركي المالكي، وقائد العمليات في الساحل الغربي عبد السلام الشحي. أكثر من ذلك، أعطى النصر الإعلامي الزائف حماسة مبالغاً فيها للمهاجِمين، بلغت حد الحديث عن قطع طريق الحديدة ـ صنعاء، والبدء باقتحام الأحياء في قلب الحديدة، والشروع في النقاش حول توقيت وخطط اقتحام الميناء.
وفي تفاصيل الميدان، تحولت منطقة الدوار التي شنّ المهاجمون منها آخر زحف باتجاه المطار إلى منطقة اشتباكات واستنزاف، أبعدتهم عن مشارف المطار وجعلت من مهمة استعادة المبادرة وتجديد الهجوم أكثر صعوبة. وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن خطوط الإمداد لا تزال مقطوعة على المهاجمين في أكثر من نقطة على الساحل الغربي، علماً أن بقاء هذه المناطق بيد القوات اليمنية المشتركة يساهم في احتفاظها باليد الطولى ميدانياً، ومفاقمة استنزاف القوات المهاجِمة، وتكبيدها خسائر أكبر عبر اصطياد المدرعات والآليات في الساحل السهلي المكشوف، بسبب تقطيع أوصالها وخط تواصلها الميداني المباشر. ومن المتوقع، وفق المصادر، تفعيل هذه الاستراتيجية الميدانية بشكل أكبر ابتداءً من اليوم، ما سيجبر المهاجمين على التراجع أكثر، ويضيّق الخناق عليهم في أكثر من منطقة، ويصعّد من العمليات الدفاعية وعمليات الاستنزاف على وجه مضاعف من الذي شوهد في الأيام السبعة الفائتة. وتجددت، خلال الساعات الماضية، عمليات الإجلاء عن طريق البحر لجرحى القوات المهاجِمة، والذين ترتفع أعدادهم مع كل وقت يمرّ على إصرار القيادة الإمارتية على خوض المعركة بلا جدوى.
وأفرج «الإعلام الحربي» اليمني، أمس، عن جانب من عمليات الرصد والاستطلاع لسلاح الجو المسيّر، في خطوة غير مسبوقة بيّنت دخول الطائرات بلا طيار ميدان المواجهة، وتحليقها على طول الساحل الغربي، بعد أنباء عن تنفيذها أكثر من عملية قصف، إحداها نجحت، بناءً على معلومات استخبارية، في الوصول إلى اجتماع ضم قيادات ميدانية رفيعة للقوات المهاجِمة. وبعدما استخدمت القوات اليمنية بفاعلية الصواريخ المضادة للدروع، لا سيما على جبهة الفازة، شهد الميدان في الساعات الأخيرة ظهور العبوات الناسفة، التي دمرت ثلاث آليات محملة بالجنود في الدريهمي إلى جنوب منطقة الدوار. ولا تزال القوات اليمنية تستفيد من محاصرة القوات المهاجِمة لضربها بسلاح المدفعية، وهو ما تكرر أمس في الدريهمي، إلى جانب استخدام سلاح القناصة كما حصل في منطقة الجبيلة.
في غضون ذلك، عمد طيران التحالف السعودي ـ الإمارتي، أمس، إلى استهداف ناقلة ركاب مدنية في مدينة الحديدة بغارتين جويتين، ما أدى إلى استشهاد وجرح عشرة عمال يعملون في نقل الإطارات والزيوت، وتضرر المحلات المجاورة في منطقة جولة يمن موبايل، وذلك عقب حديث وسائل الإعلام التابعة لـ«التحالف» عن السيطرة على المنطقة المذكورة. وكان طيران التحالف ارتكب مجزرة مروعة، أول من أمس، راح ضحيتها ستة مدنيين بينهم أربعة نساء، جراء قصف ناقلة ركاب مدنية بمنطقة جولة الغراسي في الحديدة.