القاهرة | بين التكفير والتخوين، يجد المصريون أنفسهم دائماً عند كل تصويت انتخابي بعد ثورة «25 يناير» محاصرين في اختياراتهم الانتخابية بين فريق يخون من لا يقف معه في خياراته السياسية، وآخر يكفّر من يخالفه الرأي السياسي.
قبل الثورة، كانت نتائج الانتخابات معروفة سلفاً، وحصة كل فصيل سياسي محددة مسبقاً، وفق التفاهم الذي كان قائماً بين النظام والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات آنذاك، أما الآن، فهناك صراع سياسي حقيقي، ولكنه يأخذ منحى إلغائياً تحضر فيه الاتهامات الجاهزة بالخيانة أو الكفر، وهي اتهامات قاسية لا يستقيم معها حوار أو مشاركة.
ومع اقتراب الاستفتاء على الدستور في 14 و15 الشهر الجاري، يجد المصريون أنفسهم أمام موجة جديدة من محاولات الترهيب والإقصاء عبر اتهام السلطات الحالية ومناصريها من لا يقف مع الدستور بالخيانة والعمالة، كما جاء على لسان محافظ القليوبية محمد عبد الظاهر في أحد مؤتمراته الصحافية عندما أكد أن «من يقول لا للدستور خائن وعميل».
وهو ما يقابل بمحاولات مضادة من قبل جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها الذين يكفّرون من يشارك في الاستفتاء، حيث وصل بهم الأمر إلى إصدار فتاوى «تحريم» المشاركة في الاستفتاء كتلك التي أفتى بها الشيخ يوسف القرضاوي المقرب من «الإخوان».
وربما من سخرية القدر أن ما يحدث الآن من تكفير وتخوين لأصحاب الآراء المغايرة في ما يخص الاستفتاء على الدستور، وتوظيف الدين في حثّ الناخبين على التصويت، والحشد من أجل إمرار الاستفتاء بهدف «الاستقرار» وتوزيع الوهم على المصريين بأن حل مشاكلهم المزمنة متوقف فقط على التصويت بـ«نعم» حدث هو ذاته قبيل الاستفتاء على دستور عام 2012، مع فارق جوهري هو اختلاف الفاعلين في المعسكرين الرافضين للدستور والموافقين عليه، حيث تحول الموافقون على دستور 2012 إلى معسكر الرافضين لدستور 2013، وانتقال الرافضين للدستور القديم لمعسكر الموافقين على الجديد، وباستثناء ذلك والضغط الأمني العنيف في الوقت الراهن تبقى الحال على ما كانت عليه.
ففي عام 2012، لعب الإخوان وحلفاؤهم للترويج لدستورهم على وتر الاستقرار ونصرة مواد الشريعة والهوية الإسلامية، وسط مزايدات سياسية مبالغ فيها من حزب النور، ذي التوجه السلفي، كما لعبوا على وتر طائفي حساس لدى المصريين بأن الكنيسة والأقباط يدعمون التصويت بـ«لا»، وهو أمر يمكن تلمّس آثاره في نتائج التصويت في المحافظات ذات التركيبة الاجتماعية المعقدة التي يمثل فيها المكون الطائفي عنصراً حساساً وهاماً، حيث فاقت نسبة التصويت بـ«نعم» مثيلاتها في محافظات القناة والدلتا.
وتلعب وسائل الإعلام في الوقت الراهن دوراً أكبر في الترويج للدستور الجديد، حيث أسكتت أصوات وسائل الإعلام التابعة للإخوان بعد تصنيف الجماعة على أنها «إرهابية»، ولم يتبقّ سوى تلك المؤيدة لخريطة الطريق التي أعلنها الجيش، حيث يختفي ويغيب تماماً أي صوت معارض لمواد الدستور، أو يدعو إلى مقاطعته وذلك لمحورية معركة الدستور وتأثيرها المباشر على شرعية نظام ما بعد الثالث من تموز.
تقنياً، لم تتغير وسائل الدعاية للتصويت على الدستور، فالأفلام التسجيلية ولافتات الدعاية، والأغاني الحماسية، والندوات التثقيفية في القرى والأقاليم، والتدخلات «الناعمة» من المؤسسات الدينية، لتوجيه الناخبين، هي ذاتها الوسائل المستخدمة عند كل استحقاق انتخابي مع اللعب على أوتار مختلفة من التكفير والتخوين للناخبين.