القاهرة | مفرحاً كان قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الإفراج عن الغارمين والغارمات من السجون، وتكليف صندوق «تحيا مصر» بتسديد ديونهم لوزارة الداخلية للإفراج عنهم في أول أيام عيد الفطر، خصوصاً أن هذه الأزمة تطاول آلاف الأسر المصرية التي يعجز فيها الوالدان أو أحدهما عن تسديد ديون، باتت بالنسبة إليهم خياراً مرّاً، بالنظر إلى الأوضاع المعيشية الصعبة، لدفع تكاليف معيّنة، من بينها تأمين نفقات الزواج لأبنائهم وابنائهنّ.مع ذلك، لم يكن القرار أكثر من استعراض إعلامي، فصندوق «تحيا مصر» القائم على التبرعات، لم يسدد عملياً سوى ديون ألف شخص فقط، وهو عدد أقل بكثير من أعداد الغارمين الذين كانوا يتواجدون في السجون.
ما يزيد من الطابع الاستعراضي للقرار، أن السيسي لم يكلّف الحكومة التصرف في قضية الغارمين والغارمات، بل فضّل تكليف صندوق «تحيا مصر» المرتبط به، منذ بداية حكمه في عام 2014. ما لم يذكره السيسي في التفاصيل أن أعداد الغارمين والغارمات الذين أخرجهم من السجون بأموال «تحيا مصر» أقل بكثير من الأعداد الأخرى التي تصل إلى خمسة أضعاف على الأقل، والتي تكفلت بها جمعيات خيرية عدة خلال شهر رمضان. ووفق رئاسة الجمهورية فإن عدد الغارمين بلغ 960 غارماً وغارمة لكن وفق وزارة الداخلية فإن عددهم هو 690 فقط!
وبحسب البيانات الرسمية، فقد تمّ الإفراج عن هؤلاء جميعاً في اليوم نفسه لصدور قرار الرئيس، لتصبح السجون بذلك بلا غارمين، لكن ما لم يذكره السيسي أن جمعية «مصر الخير» تبنت خمسة آلاف شخص قبل أيام من قراره وسددت ديونهم، وهو رقم مقارب لرقم آخر تبنته إحدى الجمعيات التي جمعت التبرعات من المصريين لتسديد ديون الغارمين خلال رمضان.
العمل على تشريع قانوني يستهدف إلغاء الحبس كعقوبة للغارمين


في كل عام تعلن جميعة «مصر الخير» – وهي جمعية أهلية تديرها مجموعة مؤيدة للدولة - الإفراج عن الآلاف بعد تسديد ديونهم، وتطلق حملات إعلانية ضخمة على مدار رمضان لجمع التبرعات من المواطنين، علماً أنّ غالبية المديونين تكون مديونياتهم بسيطة ولا تتجاوز ألفي دولار في أفضل الأحوال، وهو ما يعني أن تكلفة بقائهم في السجن لقضاء فترة الحبس والتي تكلف وزارة الداخلية شهرياً نحو 170 دولاراً، أعلى بكثير من كلفة خروجهم لحياتهم وتسديد ديونهم.
قرار السيسي الذي حاول من خلاله أن يظهر كبطل شعبي يعيد الجدل حول أولويات إنفاق صندوق «تحيا مصر» الذي أسّسه مع وصوله إلى الحكم بغرض مساعدة اقتصاد البلد، فالصندوق الذي أحجم رجال الأعمال عن الإعلان عن التبرع له، والذي خصص السيسي له نصف ممتلكاته، أصبح شريكاً في عدد ليس بالقليل من قرارات الرئيس المصري، وفي مقدمها بناء الوحدات لسكان العشوائيات، وتوصيل مياه الشرب، إضافة إلى بعض الاستجابات التي يقوم بها مسؤولو الصندوق لحالات إنسانية مختلفة تظهر في البرامج التلفزيونية.
ولا يتجاوز قرار إخلاء السجون من الغارمين حاجز الاستعراض الإعلامي في ظل عدم الإفصاح عن الأموال التي تم سدادها لجميع الغارمين أو أعدادهم بدقة، علماً أنّ عمليات الإفراج تمت في كل سريع وقبل أن تصل الأموال رسمياً إلى وزارة الداخلية حيث كانت كل المعاملات المصرفية غير متاحة لتسديد الأموال بسبب عطلة عيد الفطر.
علاوة على ذلك، فإنّ قرار تسديد الأموال لم يميّز بين من يستحق التسديد بالفعل، وبين من اعتادوا التعرض لمثل هذه المواقف، خصوصاً بعدما كشفت إحدى الجمعيات الأهلية العام الماضي عن أنّ عدداً من الاشخاص الذين اتفقوا مع آخرين للحصول على الأموال، دخلوا السجن قبل أيام من شهر رمضان على أمل تسديد الأموال التي يدعون أنها ديون ليحصلوا عليها بعد ذلك مع شركائهم من أموال التبرّعات.
نواب البرلمان، الذين يجدون في كل قرارات السيسي الصواب، بدأوا العمل على تشريع قانوني جديد يستهدف إلغاء الحبس كعقوبة للغارمين على أن يتم استبداله بالخدمة العامة في أحد المصالح الحكومية، ولمرة واحدة فقط، وهو التعديل الذي ستتم مناقشته خلال الفترة المقبلة في أروقة مجلس النواب.