القاهرة | «أشطر تاجر أراضي في مصر»... هكذا يلقّب رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان المهندس مصطفى مدبولي. لم يحصل مدبولي على اللقب من فراغ بعد أربع سنوات قضاها في منصبه وزيراً للإسكان، خلفاً للمهندس ابراهيم محلب، ليطبّق سياسات لعبت دوراً كبيراً في تحريك أسعار الأراضي والشقق السكنية بأكثر من 100%، وذلك في معظم المناطق حتى المدن الجديدة التي تنفذها الحكومة، فيما حوّل الوزارة، التي يفترض أن تسهّل على المصريين العثور على سكن يليق بهم بدلاً من العشوائيات أو المناطق غير الآدمية، إلى وزارة تسعى إلى تحقيق أرباح قياسية سنوية لتتوسع في المشاريع من أموال المواطنين وليس من ميزانية الدولة.في التشكيل الحكومي الأخير، فضّل مدبولي الاحتفاظ بمنصبه وزيراً للإسكان، بجانب ترؤسه مجلس الوزراء، وهي خطوة جاءت مرتبطة برغبته في عدم ترك أي شخص يواصل حصد ما بدأه في الوزارة خلال السنوات الماضية من جهود أدخلت ملايين الجنيهات من جيوب المصريين سعياً وراء الحصول على شقة أو قطعة أرض لبناء منزل، وخاصة أن العائدات التي حققتها الوزارة في عهده لم تكن بالجنيه فقط، بل امتدت لتكون بالدولار واليورو، بفضل الأراضي التي طرحها للمصريين في الخارج، والتي اشترط سداد قيمتها بالدولار.
هذه الاشتراطات التي رفعت سعر إعادة بيع الأراضي مجدداً من بعض المالكين، لم توفّر حتى الحد الأدنى من تسليم جميع الأراضي لهم في المواعيد المحددة، فالأراضي التي كانت تعلن عنها الوزارة، وتبدأ في تلقي أموال الراغبين في شرائها، لم تكن مرفقة، وهو ما أجّل آجال الاستسلام لأشهر طويلة في معظم العقود.
حوّل مدبولي في السنوات الأربع الأراضي والشقق إلى سلع تزداد قيمتها بصورة غير مسبوقة، وهي زيادة لم تكن من قبل الحكومة في الأراضي والشقق فقط، ولكنها امتدت أيضاً إلى القطاع الخاص الذي ظل يرفع أسعاره بالتزامن مع زيادة الأسعار الحكومية التي كانت تبررها الوزارة دائماً بأنها أرخص ما بين 20 و30 في المئة من أسعار مثيلاتها في الخارج.
الوزارة التي يفترض أن تؤمن المساكن من أراضي الدولة الشاسعة، تحوّلت في عهد مدبولي إلى وزارة للتجارة في الأراضي، تقوم بوضع تسعيرات مرتفعة للعقارات في المناطق، وتنفذ مئات الآلاف من الوحدات في أوقات قصيرة، ثم تطرحها للبيع بأكثر من 4 أو 5 أضعاف تكلفة إنشائها، حتى في شقق الإسكان الاجتماعي الموجهة إلى محدودي الدخل، حيث باتت الوزارة تحمّل كلفة المباني للمواطنين كاملة وتضع اشتراطات تجعلهم يسددون أكثر من 40 في المئة إضافية على ثمنها كفوائد بنكية على سنوات.
وفي تبريره الدائم عن تأخر تسليم الوحدات، ظل المتحدث باسم وزارة الإسكان، هاني يونس، يردّ بالقول إن تنفيذ مئات الآلاف من الوحدات السكنية في الوقت ذاته هو السبب في تأخير تنفيذ بعضها، وبالتالي التأخير في تسليمها.
لكن يونس يغفل دائماً أن التأخير الأطول يكون في وحدات الإسكان الاجتماعي للفئات الأقل دخلاً في مقابل التزام وتأخير لا يتجاوز بضعة أشهر للوحدات ذات الأسعار الأعلى التي تحقق منها الوزارة أرباحاً طائلة.
وعلى مدار فترة تولّي مدبولي حقيبة الإسكان، طرحت الوزارة آلاف قطع الأراضي في مناطق مختلفة، لكن الأرض التي لا تكلف الدولة شيئاً كان سعرها يزداد بقفزات غير منطقية في كل مرة، وهو ما ينطبق على أسعار الشقق السكنية في بعض المشاريع، ومن بينها مشروع «سكن مصر» الذي فتحت فيه مرحلة جديدة خلال الفترة الحالية بنسبة زيادة وصلت إلى نحو 40 في المئة، بالرغم من أن بعض العقارات المطروحة في تلك المشاريع هي عبارة عن وحدات مبيعة في مراحل سابقة، ما يعني أن الحكومة طرحت الوحدات على فترتين زمنيتين لم يفصل بينهما سوى عدة أشهر، ولكن بنسب زيادة غير منطقية ولا تتماشى حتى مع زيادات الأسعار التي ستطرأ خلال الأيام المقبلة نتيجة استمرار تطبيق خطة رفع الدعم.
وإذا كانت أسعار مواد البناء قد تضاعفت خلال السنوات الأربع الماضية، فإن سياسة الوزارة في المضاعفة لم تكن متناسبة على الإطلاق مع تلك الزيادة، إذ وصلت إلى أربعة أضعاف في بعض الوحدات السكنية ذات المساحات الصغيرة، بالإضافة إلى زيادة أسعار دفاتر الشروط بشكل مبالغ فيه، وهي خطوة تهدف إلى زيادة العائد الذي يصل إلى الوزارة من المواطنين حتى لو لم يفوزوا بالقرعة.
وفي الخطة الأخيرة التي اعتمدها ورفعها إلى رئيس الجمهورية بصفته وزيراً للإسكان قبل تكليفه برئاسة الحكومة الحالية، أعاد مدبولي النظر في الأراضي وطريقة تسويقها. وبعد تمييز الأراضي لتكون «متميزة» و«أكثر تميزاً»، أقصى مدبولي مدناً بكاملها من خريطة الإسكان الاجتماعي، لكونها الأكثر إقبالاً من المواطنين في الشراء، وهو ما حدث مع مدينة «6 أكتوبر» التي اعتمد في مخططها العمراني امتداداً جديداً، سيبدأ تعميره بالإسكان الاجتماعي، وكأن الفقراء وحدهم عليهم تعمير الصحراء، بينما يحصل أصحاب الدخول «المميزة» و«الأكثر تمييزاً» على الأراضي الموجودة في محيط المناطق العامرة.
صحيح أن مدبولي نفّذ العديد من الوحدات لسكان المناطق العشوائية، لكن تاجر الأراضي نجح في ما فشل فيه الوزراء المتعاقبون بإخلاء منطقة «ماسبيرو» في قلب القاهرة بشكل كامل وتخطيطها بشكل جيد ليتم بناء أبراج فاخرة فيها، وهي السياسة التي يسعى في الوقت الحالي لتطبيقها مع جزيرة الوراق في قلب القاهرة، لينقل سكان العشوائيات خارج العاصمة أو يضعهم في مبانٍ محدودة يتم تنفيذها على أطراف هذه المشاريع الضخمة.
يُحسب لمدبولي قدرته على استعادة قوة العمل في وزارة الإسكان، وإعادة الثقة في قدرتها على تنفيذ وحدات سكنية جيدة في معدلات زمنية قصيرة نسبياً، لكن تبقى التكلفة والأرباح المليارية التي حققها وأدخلها إلى خزانة الدولة، هي الأساس في فهم سبب نجاحه في الاحتفاظ بالمنصب.