رام الله | للمرة الأولى منذ سنوات تكسر الجماهير الفلسطينية في الضفة المحتلة حالة الصمت أو ما يمكن تسميتها «الحياد» تجاه ضغط السلطة على قطاع غزة بجانب الحصار المفروض على أهله، وتحديداً العقوبات التي فرضتها رام الله منذ شهور وتسميها الأخيرة «إجراءات». فمنذ أول من أمس، تشهد مساءات رام الله مسيرات لما بات يُعرف باسم «حراك ارفعوا العقوبات»، الذي لاقت تظاهرته الأولى وسط المدينة نجاحاً كبيراً الأحد الماضي على رغم محاولات التشويش من مؤيدي السلطة.وأمس جدّد «حراك #ارفعوا_العقوبات» دعوته للجماهير للمشاركة في التظاهرة الرافضة للعقوبات ضد غزّة، وذلك في تمام التاسعة والنصف مساء، إذ قال منظمون في الحراك إن نجاح التظاهرة الأولى دفعهم إلى إطلاق الثانية، خصوصاً أن «الأولى نجحت في تحريك الرأي العام ولفتت انتباه وسائل الإعلام المحلية والدولية... لن تتوقف الفعاليات إلا بإلغاء العقوبات المفروضة على شعبنا».
في السياق، أوضح المنظمون أن العقوبات فاقمت الأوضاع الإنسانية خلال العام الحالي بصورة خطيرة، «ففي الوقت الذي تستقبل مدن الضفة عيد الفطر، فإن أهلنا في غزّة تتواصل بحقهم الإجراءات العقابية والحصار الشامل بتواطؤ النظام المصري، وبعقوبات السلطة الجائرة»، وفقاً لبيانهم.
وتُقدّر مصادر مطلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن عدد المشاركين تجاوز 1800 متظاهر في الفعالية الأولى، وهو رقمٌ لافت ويسجّل كأوسع مشاركةٍ في فعاليةٍ احتجاجية منذ التظاهرات الحاشدة المطالبة بإقالة حكومة سلام فياض عام 2012، أي منذ ما يزيد على 5 سنوات. وفي الوقت الذي تحاول وسائل الإعلام المقربة من السلطة اختزال الحراك في قضية رواتب الموظفين المحسوبين على رام الله، خصوصاً مع تصاعد الأصوات الفتحاوية في غزة بالمطالب نفسها، فإن مطالب الحراك تشمل الإجراءات كافة التي طاولت قطاعات: الصحة، والكهرباء، والمستلزمات والمصاريف التشغيلية، ورواتب الموظفين، وكذلك وقف جزء من التحويلات الطبية، وحرمان عدد من المرضى والجرحى من مغادرة غزة لتلقي العلاج اللازم.
وكانت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) قد أعلنت أول من أمس، أن 80 في المئة من السكان في غزة يعتمدون على المساعدة الإنسانية، مؤكدة أن مستويات البطالة العامة في غزة ارتفعت من 49.1 في المئة إلى 80 في المئة في فئة السكان الذين يعتمدون على المساعدة الإنسانية.
المصادر نفسها تكشف لـ«الأخبار» أن قرار الانطلاق من رام الله كان بحكم وجود النخبة الفلسطينية الحاكمة فيها، وكذلك السلطة التي تمتلك قرار رفع العقوبات، لكن لاحقاً ستنطلق الفعاليات الاحتجاجية تدريجاً في محافظاتٍ أخرى من الضفة وخارجها.

من يقف خلف الحراك؟
«ارفعوا العقوبات» يعرف نفسه بأنّه حراك واسع يضم فئاتٍ مختلفة تتنوع ما بين أكاديميين وصحافيين وباحثين وفنانين وأسرى محررين وناشطين قرروا «طرق جدران الخزان والوقوف عند مسؤولياتهم تجاه أبناء شعبهم في غزّة، للمطالبة بإنهاء الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة الفلسطينية عليهم منذ آذار من العام الماضي». ومن بين الذين دعموا التظاهرة الأولى بعض أعضاء «المجلس الوطني»، وكتّابٌ ومحللّون سياسيون، وبعض عائلات شهداء «انتفاضة القدس»، ومحاضرون جامعيون وبعض أعضاء نقابات العاملين في عددٍ من الجامعات وغيرهم.
أما غالبية الفصائل، فثمنت الفعالية الأولى في رام الله، مؤكدةً ضرورة رفع العقوبات، ومن هذه الفصائل: «الجهاد الإسلامي»، «حماس»، «الجبهة الشعبية»، وأيضاً «لجان المقاومة الشعبية» في غزّة، ليس هذا فحسب، بل إن «فتح» في إقليم شرق غزة أعربت عن «فخرها واعتزازها بجماهير الضفة الباسلة الذين خرجوا نصرة لقطاع غزة، ورفضاً للإجراءات الظالمة التي أقرتها الحكومة الفلسطينية تجاه المواطنين على وجه العموم والموظفين الحكوميين على وجه الخصوص».
لكن، فوجئ المتظاهرون في الفعالية الأولى بإنزال بعض أشخاص لافتات كبيرة على الأبنية والجدران في محيط دوار المنارة تزامناً مع التظاهرة ضد العقوبات، وكُتب على اللافتات: «الانقلاب الحمساوي سبب كل المصائب»، ولافتة أخرى: «14-6-2007 يوم دامٍ في تاريخ الشعب»، ولافتة ثالثة: «17 مليار دولار صرفتها السلطة على قطاع غزّة، غزة لن تنسى ولن تغفر القتل والتجويع والتدمير».
حذرت «الشعبية» من محاولات «شيطنة» الحراك وضرب رموزه


جراء ذلك، حذرت «الجبهة الشعبية» في بيانٍ أمس، من «تشويه صورة المناضلين»، مضيفة أن «الإساءة بحق أحد الرفاق المناضلين والأسرى المحررين من مخيم الدهيشة ببيت لحم، والذي قضى في سجون الاحتلال أكثر من 7 أعوام وفبركة شريط بحقه هو محاولة مشبوهة ومكشوفة لن تنطلي على أحد لشيطنة شباب حراك رفع العقوبات والإساءة للمشاركين فيه». وتابع البيان: «الجبهة ستتابع الملف وتحمّل الجهات التي تقف وراء هذا التشويه المسؤولية، وإن الرد على ممارسات الأجهزة الأمنية وبلطجيتها يكون باستمرار الحراك الجماهيري وامتداده».
وكانت عدة صفحات في «فايسبوك»، منها ما هو ممول، قد شنّت هجوماً على الأسير المحرر بلال الصيفي من الدهيشة، واتهمته بأنه «عميلٌ يستخدم حافلته لنقل القوات الخاصة الإسرائيلية»، وربطت ما أسمته «عمالة الصيفي» بـ«مشاركته في حراك رفع العقوبات»، الأمر الذي لاقى استهجاناً واسعاً في المخيم.
في المقابل، أكد مجلس الوزراء في حكومة «الوفاق الوطني» خلال جلسته الأسبوعية أمس، «التزام الحكومة حرية الرأي والتعبير، ورفضها المطلق لأي مساس بهذه الحريات التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني»، لكنه وصف الحراك المنادي برفع العقوبات عن غزة بـ«محاولات تضليل وافتراءات مزعومة بهدف إرباك الرأي العام واختزال مشاكل غزة بمسألة الرواتب». وأضافت الحكومة: «دفعنا رواتب على مدار 11 عاماً على رغم أن بعض الموظفين هاجروا من غزة، وخصومات الرواتب موقتة و35 ألف موظف من يتقاضون 50 في المئة من الراتب»، مع أن اللافتات التي رفعها المتظاهرون على دوار المنارة لم تتناول مسألة «رواتب الموظفين» بل ركّز الحراك على ضرورة إلغاء العقوبات كافة.