ارتفع، أمس، منسوب التحذيرات الدولية لـ«التحالف» من مغبّة مواصلة محاولاته السيطرة على ميناء الحديدة، غرب اليمن. تحذيرات ترافقت مع رسالة أميركية متجددة، جاءت هذه المرة من مستوى أرفع، متمثل في وزارة الخارجية، بضرورة صرف النظر عن هذه المعركة والدفع بالمسار السياسي قدماً. وعلى الرغم من أن هذا الموقف الأميركي يُعدّ الأكثر تقدماً منذ اندلاع العدوان على اليمن، إلا أنه يظلّ مرهوناً بما سيلي يوم الثامن عشر من حزيران/ يونيو الحالي، الموعد المفترض لتقدم المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، بإحاطته الثانية خلال شهر إلى مجلس الأمن الدولي، والتي يُنتظر أن تتضمن رؤيته للعملية التفاوضية في المرحلة المقبلة.وأعلن وزير الخارجية مايك بومبيو، أمس، أنه تحدث إلى القادة الإماراتيين وأبلغهم رغبة بلاده في «مراعاة هواجسهم الأمنية، مع الحفاظ على التدفق الحر للمساعدات الإنسانية والواردات التجارية الضرورية». موقفٌ سبق لمتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أن سجّل ما يناظره، قائلاً إن «واشنطن لن تدعم أي أعمال ستؤدي إلى التدمير أو إلى مزيد من التدهور في الوضع الإنساني في مدينة الحديدة». هذا الإلحاح يجلّي بوضوح خشية الولايات المتحدة من هجوم يعرف مُنفّذِوه أين يبدأ ولا يدرون كيف سينتهي، وما إذا كانوا قادرين على «إنهائه بشكل نظيف من دون وقوع أي حادث كارثي»، وفق ما قال قبل أيام مسؤول أميركي لصحيفة «وول ستريت جورنال».
استعادت «أنصار الله» عدداً كبيراً من المواقع التي خسرتها على جبهة الساحل


على أن اللافت في تصريحات بومبيو هو اقتران تحذيره من الإغراق في معركة الساحل الغربي بدعوته جميع الأطراف إلى «دعم العملية السياسية لحل النزاع، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، فضلاً عن رسم خارطة سياسية مستقرة لليمن في المستقبل». يجيز هذا الاقتران التساؤل عمّا إذا كان وصول القيادتين السعودية والإماراتية إلى حائط مسدود في غير جبهة، ومن ضمنها جبهة الساحل، على الرغم من الدعم الأميركي الذي لم ينقطع البتة، سيدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في تغطيتها لهذه الحرب التي أصبحت استطالتها نوعاً من العبث. تحول تجارب الأداء الأميركي في المرحلة السابقة دون الذهاب إلى تقدير من هذا النوع، لكن الجدية التي تسم عمل المبعوث الأممي الجديد يمكن عدّها مؤشراً إيجابياً، سيستبين مدى تأثيره عقب تقدم مارتن غريفيث بالإطار التفاوضي الذي كان وعد به إلى مجلس الأمن في الـ18 من الشهر الجاري، وفقاً لما أعلن أمس، الرئيس الدوري للمجلس، السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا.
ما يعزّز الأجواء «التفاؤلية» بمهمة غريفيث، أيضاً، هو الموقف الدولي الرافض لأي تصعيد غير محسوب في الحرب الدائرة في اليمن، والذي تجلى أمس خلال جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن في هذا الشأن. جلسة تقدّم خلالها كل من غريفيث ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، بإحاطة إلى المجتمعين، الذين «ناقشوا ضرورة خفص التصعيد»، بحسب ما أعلن نيبينزيا عقب الجلسة، معرباً عن أمله في أن «يتمكن غريفيث من التوصل إلى حل». وكانت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس، أدلت، قبيل الجلسة، بموقف مشابه للموقف الأميركي، أشارت فيه إلى «(أننا) ندرك مخاوف الإمارات الأمنية، والتي تجب معالجتها... ولكننا كذلك قلقون بشأن الوضع الإنساني»، في حين شدد سفير هولندا، كال فان أوستيروم، على ضرورة «توجيه إشارة مشتركة ورسالة سياسية واضحة جداً»، مفادها: «يجب أن لا نرى هجوماً على ميناء الحديدة». ولفت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من جهته، إلى «(أننا) نأمل في أن يتمكن (غريفيث) من الحيلولة دون مواجهة عسكرية، وهو في هذه اللحظة يقوم بمحادثات مكثفة، ونأمل له النجاح».
هذا الموقف الأممي والدولي المتشدد في رفض الهجوم على الحديدة لا يبدو معزولاً من المشهد الميداني الذي تمكنت «أنصار الله» من قلبه لصالحها، عبر شنّها هجمات نوعية مضادة استعادت من خلالها عدداً كبيراً من المواقع التي كانت خسرتها خلال الأسابيع الماضية، مرغِمة قيادة «التحالف» على إعادة حساباتها. ووقع آخر تلك الهجمات أمس في مديرية حيس، حيث استطاعت قوات الجيش واللجان فرض حصار على كتيبتين من القوات الموالية للإمارات بالقرب من مثلث العدين، ما حمل مقاتلين مما يسمى «ألوية العمالقة» على تنفيذ محاولات لفكّ الحصار عن الكتيبتين، إلا أنهم تعرضوا لكمين أدى إلى مقتل 9 منهم.