كثيرة هي التساؤلات التي طُرحت خلال الأيام القليلة الماضية عن مدى ارتباط العملية العسكرية العراقية في الأنبار بالزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة نوري المالكي لإيران، وعن مدى دقة الحديث عن أن الغطاء السعودي للقرار الأميركي بتصفية «الدولة الإسلامية العراق والشام»، المعروفة اختصاراً بـ«داعش»، في سوريا يمتد أيضاً إلى داخل الأراضي العراقية.
مبررات السؤال الأول منطقية، وخاصة أن التصعيد في الأنبار جاء بعد أيام من عودة المالكي من طهران، حيث عقد مجموعة واسعة من اللقاءات كان أبرزها مع المرشد علي خامنئي. وقتها، وزع تصريح علني للمرشد رأى فيه أن «ما تقومون به (المالكي) لبلدكم خطوة تستحق التقييم، ولكن العراق يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير». تصريح فهم منه عدم رضى من قبل خامنئي عن أداء المالكي الذي بات واضحاً أنه يسعى إلى التجديد ولاية ثالثة على رأس الحكومة العراقية.
المعلومات المتوافرة عمّا دار في خلال اللقاء تؤكد الانطباع الذي تولّد عنه: أبلغ خامنئي، بلغته الدبلوماسية الراقية، المالكي باستغرابه من واقع أن الوضع الداخلي في العراق في حال من الخراب وأن عشرات الضحايا يسقطون يومياً من جراء موجة التفجيرات التي لم تهدأ يوماً، ومع ذلك يسعى رئيس الحكومة إلى التجديد لنفسه في منصبه. نصحه بشكل واضح بأن يعمل جاهداً للحد من العمليات التخريبية التي تستهدف العراقيين. دعاه إلى أن يطلق حملة لمكافحة الإرهاب، وعرض عليه أن تزود الأجهزة الأمنية الإيرانية نظيرتها العراقية بكل ما تملكه من معلومات عن المجموعات التكفيرية وانتشارها ورموزها في العراق. ترك له مشكلة التعامل مع الأميركيين في هذا الملف، وشدد عليه بأن يسعى لأن يقدم شيئاً ملموساً لأبناء شعبه كي يستحق منه التأييد للاستمرار في موقعه.
هناك إجماع طبعاً على أن عملية عسكرية من نوع كهذا في الأنبار ما كان يمكن أن تتم لولا وجود غطاء أميركي كامل. بل إن البعض، من المعنيين في داخل العراق، يؤكد أن طلباً أميركياً مباشراً قد قدم في هذا الشأن مرفقاً بمساعدات عسكرية تبدأ بالمعطيات الأمنية ولا تنتهي بالطائرات من دون طيار. وتضيف أن تحسن علاقات بغداد مع أنقرة أدى دوراً دافعاً في هذا الاتجاه. في النهاية، قسم كبير من زعماء المناطق الغربية محسوب على تركيا التي كان اعتراضها لا شك سيشكل عائقا كبيراً في وجه العملية العسكرية الجارية حالياً في المنطقة.
تصريحات وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أول من أمس خير مؤشر. قالها صراحة إن بلاده «بطبيعة الحال لا ترغب بأي شكل من الأشكال في أن تكون الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة ذات فعالية في العراق أو سوريا، كما أنها تدعم جهود القوات الحكومية والعشائر السنية لمكافحة هذا التنظيم في هذه المرحلة في العراق، وخاصة في محافظة الأنبار»، وإن أكد «الأهمية التي توليها بلاده لمسألة عدم استبعاد السنّة من العملية السياسية في العراق وأيضا اتباع سياسة تتسم بالشفافية بأقصى سرعة قبل انتخابات 30 نيسان بهدف مشاركة الجميع فيها».
بدورها، الأسئلة المتعلقة بالموقف الفعلي للسعودية مما يجري تبدو ملحة، لما لها من تأثير في أي قراءة محتملة لمجريات الأحداث في المنطقة. الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية متمسكة بموقفها بأن «مصدر العلة هو السعودية». تتحدث عن معلومات مستقاة من عملها الاستخباري ومن اعترافات المعتقلين. نظرة عكسها المالكي أكثر من مرة خلال الأيام القليلة الماضية بحديثه عن «دولة عربية» تقف خلف كل ما يجري في الأنبار.
الأوساط السياسية العراقية تحاكي موقف الأمن والعسكر، ولكن وفق مقاربة من نوع آخر. تشير إلى أنه في الأنبار لا توجد فوارق واضحة بين «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من المجموعات التكفيرية، على غرار الحال في سوريا. وتضيف أن «دور هذه المجموعات في بلاد الرافدين بدأ في منتصف العقد الماضي تحت عنوان منع الشيعة من حكم العراق في ظل الفشل في منعهم من الوصول إلى السلطة». وظيفة أضيف إليها بعد ثان مع اندلاع الأزمة في سوريا: عمق لوجيستي لإمداد المجاهدين في بلاد الشام بالعتاد والمقاتلين.
وتستفيض تلك الأوساط في الشرح بأن الشريان الأساس لحركة الإمداد السعودية للمجموعات التكفيرية في بلاد الشام تمر من الحدود السعودية عبر صحراء الأنبار إلى وادي الحوران والوادي الأبيض الموجودين على الحدود العراقية ــ السورية. هناك، في هذين الواديين، حيث المغاور التي لا تخضع لسيطرة أي من البلدين المتجاورين، توجد مخازن الذخيرة ومخيمات المقاتلين الاجانب الذين يرسلون إلى سوريا.
وتختم الأوساط نفسها بأن «منطق الأمور يقول إن السعودية، في حال كانت تدعم تصفية داعش في الأنبار، تكون عملياً كمن يطلق النار على رجله، لأنه بخطوتها هذه تكون تسلّم العراق على طبق من فضة إلى الشيعة، على ما تعتقد، وتكون تقطع في الوقت نفسه الشريان الذي يربطها بمجموعاتها المقاتلة في سوريا.
وكان لافتاً أن السلطات العراقية بدأت منذ يوم أمس تسريب ما تمتلكه من معلومات حول هذا الملف. ومن بين هذه المعلومات ما سربه «مصدر أمني رفيع المستوى» عن اعترافات أدلى بها أحد قادة تنظيم «داعش» الذين اعتقلوا أخيراً في الانبار وتتضمن تسلم التنظيم 150 مليون دولار قبل فض الاعتصامات في الأنبار.
قال المصدر إن «أحد قادة تنظيم داعش الذين اعتقلوا أخيراً اعترف صراحة بتسلم التنظيم 150 مليون دولار قبل رفع خيام المعتصمين بيوم واحد، الى جانب 60 سيارة دفع رباعي نوع بيك أب مكتوب عليها صنعت خصيصاً للملكة العربية السعودية»، مؤكداً «الاستيلاء على قسم من هذه العجلات من قبل الأجهزة الأمنية». وأضاف المصدر أن «القيادي في داعش، المعتقل، اعترف أيضاً بحصول لقاء سري جمع ناطقاً رسمياً باسم إحدى الكتل السياسية (لم يذكر اسمه)، وممثلاً عن المخابرات السعودية، الى جانب المجرم شاكر وهيب، قبل مقتله بعشرين يوماً»، مشيراً إلى أن «اللقاء تم في أحد بساتين قضاء راوه غرب العراق، وتم في اللقاء مناقشة الخطوات التي سيتم اتخاذها بعد إزالة الحكومة لخيام المعتصمين».