لا يزال الـ«فيتو» الذي وضعته الولايات المتحدة الأميركية على مواصلة «التحالف» هجومه الهادف إلى السيطرة على مدينة الحديدة مثار جدل في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية والغربية. وفيما تحاول واشنطن الاستفادة من الزخم الذي تولّده الدعوات الأممية المستمرة إلى تجنيب المدينة العمليات العسكرية للإيحاء بأن اعتراضها إنما نابع من مقتضيات ذات طابع إنساني، ينبئ تقهقر الحملة التي أُطلقت قبل أسابيع قليلة تحت اسم «الرعد الأحمر» لـ«تحرير الحديدة» بأن القرار الأميركي مردّه إلى الخشية من الانجرار إلى مربع استنزاف جديد، لن يفيد الحلفاء، وستكون له تكلفته على الإدارة الأميركية التي كانت تأمل بمعركة «قصيرة وحاسمة وبأقلّ نسبة خسائر ممكنة». وانضمّت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز جراندي، أمس، إلى صفوف المحذرين مما يجري في محافظة الحديدة، قائلة إن «أي هجوم أو حصار عسكري للحديدة سيؤثر على مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء». وأشارت، في بيان، إلى «(أننا) نخشى أن يفقد ما يصل إلى 250 ألف شخص، في أسوأ الحالات، كل شيء بما في ذلك حياتهم». تحذير يمثل استكمالاً لسلسلة مطالبات أممية ودولية صدرت أخيراً بوقف عمليات التحشيد باتجاه مدينة الحديدة، واستفادت منها واشنطن لإعلانها رفض «جهود الإمارات للسيطرة على المدينة»، بدعوى أن الولايات المتحدة «لن تدعم أي أعمال ستؤدي إلى التدمير ومزيد من التدهور في الوضع الإنساني»، علماً بأن الأميركيين لم يظهروا الحرص نفسه في وقائع أخرى راح ضحيتها الكثير من المدنيين اليمنيين.
دفعة جديدة من الصواريخ الباليستية على قواعد في نجران وخميس مشيط

هذه المفارقة يقرأ فيها كثيرون وعياً لدى الإدارة الأميركية بفاتورة «تحرير الحديدة»، والتي رسمت بعضاً من معالمها العمليات الأخيرة لـ«أنصار الله» على الساحل الغربي، حيث تمكّنت من تكبيد القوات الموالية للإمارات خسائر بشرية ومادية فادحة. ومن هنا تأتي التحذيرات الأميركية للإماراتيين في اتجاهات ثلاثة: أولها أن العمليات ستكون بطيئة ومكلفة، وثانيها أنها ستُضاعف العبء الإنساني على واشنطن وحلفائها، وثالثها أنها لن تضمن تحقق إنجاز فعلي حتى لو تمّت السيطرة على ميناء الحديدة، الذي سيبقى يتلقى «مضايقات انتقامية متفرقة». ولعلّ ما نشره أمس موقع «ذي إنترسبت» الأميركي، نقلاً عن تحليل عسكري أجراه الجيش الأميركي، يبرز بوضوح تلك التحذيرات، إذ يؤكد التحليل أن القوات المحلية المدعومة من أبو ظبي على الساحل الغربي تعاني من «ضعف إرادة القتال»، مذكِّراً بما آلت إليه «عمليات شرق المخا التي لم تجرِ كما كان مخططاً لها» بحسب ما تنقل الوثيقة عن الحرس الرئاسي الإماراتي.
المسار الذي اتخذته المواجهات على الساحل الغربي، والذي لن يؤدي ـــ حتى في حال الوصول إلى مدينة الحديدة ـــ إلى حسم الحرب لمصلحة الرياض وأبو ظبي كما تأمل العاصمتان، يوازيه مسار عسكري متواصل على الحدود الشمالية مع المملكة، حيث يتابع الجيش واللجان تعزيز مكتسباتهما في مناطق جيزان وعسير ونجران، التي لا يستبعد محللون يمنيون أن يكون الضغط على الحديدة وسيلة لاسترجاعها من «أنصار الله». وأعلنت القوة الصاروخية في الجيش واللجان، أمس، إطلاق دفعة من الصواريخ الباليستية على «قواعد عسكرية في نجران وخميس مشيط»، في حين تم التصدي لمحاولة تقدم للجيش السعودي والمقاتلين الموالين له باتجاه موقع الشبكة في نجران، «ما أدى إلى مصرع وجرح جنود سعوديين». وفي منطقة عسير، تصدّى مقاتلو الجيش واللجان لمحاولة مماثلة اشتركت فيها قوات سودانية قبالة منفذ علب، ما أسفر عن تكبيد المهاجمين «خسائر فادحة في العدد والعتاد».
على خط مواز، وفي ما يبدو ترجمة لمحاولات التهدئة التي قادها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أخيراً، بين الإمارات من جهة وحكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، من جهة أخرى، عاد وزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، مساء الخميس، إلى مدينة عدن، حيث أعلن الاتفاق على «ترتيب العمل الأمني تحت قيادة وزارة الداخلية»، قائلاً إن هذا الاتفاق سيتحول إلى «واقع ملموس على الأرض في المناطق المحررة، وفق خطة زمنية أُعدّت لذلك».