انطلقت فعلياً في العراق عملية وضع القرارات الحكومية والبرلمانية الأخيرة بشأن الانتخابات النيابية على سكّة التنفيذ. انطلاقة تنبئ بأن تغيرات في المشهد الذي أرساه تصويت 12 أيار/ مايو الماضي باتت وشيكة الوقوع، وخصوصاً أن لا مؤشرات إلى أن «المحكمة الاتحادية العليا» ستتدخّل لإبطال القانون الصادر أول من أمس عن البرلمان، والداعي إلى إعادة العد والفرز اليدوي. وفي ظل بدء الإجراءات الخاصة بتطبيق التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب، افتُتحت مجدّداً بورصة الأسماء المرشّحة للفوز أو الخسارة، وسط ردود فعل ساخطة على مقلب القوى التي تصدّرت نتائج التصويت الإلكتروني.ولم تكد تمرّ ساعات على تصويت البرلمان (بحضور 172 نائباً من أصل 329) على مشروع قانون يجمّد عمل «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»، ويكلّف 9 قضاة «مشهود لهم بالنزاهة» بالإشراف على عملية العدّ والفرز على أساس يدوي، حتى أعلن «مجلس القضاء الأعلى» تشكيل لجنة لتولي مهمات «المفوضية» بالوكالة، داعياً أعضاءه إلى اجتماع يوم الأحد المقبل لتسمية القضاة الذين سينتدبون لتنفيذ تلك المهمات. كما أعلن «المجلس»، على لسان المتحدث باسمه، عبد الستار بيرقدار، أن «لجنة منه ستنتقل فوراً إلى مبنى مفوضية الانتخابات للتمهيد» لبدء العمل. وهو ما ترجم سريعاً مع وصول لجنة مشكلة من رئيس جهاز الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، وأحد المشرفين القضائيين، إلى مبنى «مفوضية الانتخابات» حيث «بدأت تهيئة المستلزمات اللوجستية لقيام القضاة بالأعمال المناطة بهم» بحسب ما أكد بيرقدار. خطوة لم ترُق رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، الذي كان شكّك في دستورية انعقاد جلسة استثنائية مفتوحة لمجلس النواب، طالباً إلى «الاتحادية العليا» إبداء الرأي في ذلك. ويوم أمس، رأى معصوم، على لسان مصدر مقرب من رئاسة الجمهورية أن «مجلس القضاء الأعلى استعجل في اتخاذ قراره استناداً إلى قانون لا يزال في أروقة البرلمان».
أثار القانون الصادر عن البرلمان سخط القوى الفائزة بالانتخابات


هذا الموقف الرافض، ضمناً، للقانون الذي أقرّه البرلمان، وازاه موقف أكثر وضوحاً من قبل «مفوضية الانتخابات»، التي أعلنت أنها «ستستخدم حقها القانوني والدستوري في الطعن» في القانون المذكور، معتبرة أن الأخير «احتوى عدداً من المخالفات التي لا تنسجم مع الدستور، وتتعارض مع قانون المفوضية». وجددت «المفوضية»، في بيان، تمسكها بـ«نزاهة العملية الانتخابية»، قائلة إن «مجلس المفوضين لم يسمح لأي جهة بالتدخل والتأثير في صلب قراراته». لكن دفاع «المفوضية»، ومعها الجهات الداعمة لها، لا يبدو أنه سيصمد في وجه المعسكر المُشكِّك في إجراءاتها، وخصوصاً أن هذه الهيئة الانتخابية أضحت في موقف لا تُحسد عليه، بعدما فرضت الحكومة على مسؤوليها ما يشبه الإقامة الجبرية، وأكمل «مجلس القضاء الأعلى» أمس تضييق الخناق عليها عبر توقيفه عمل الهيئة القضائية داخلها المختصة بالنظر في الطعون الانتخابية، ومنعه أي مشارك في الانتخابات أو أي شخص له صلة بها من الحضور إلى مقر «المجلس» أو «المفوضية».
كل تلك الإجراءات كانت كفيلة بتصعيد مستوى السخط على ضفة القوى والشخصيات التي تصدّرت نتائج الانتخابات، في ظل توقعات بأن يؤدي العدّ والفرز اليدويان إلى تخسير الكتل الفائزة بعضاً من حصصها لمصلحة الخاسرين. وأعلن الحزبان الكرديان الرئيسيان (الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، أمس، عقب اجتماع لهما في أربيل، عزمهما على الطعن لدى «المحكمة الاتحادية» في القانون الصادر عن البرلمان، في حين بدا لافتاً ما لوّح به حزب مسعود برزاني من أنه «لو تمّ تطبيق القانون فسيكون لنا موقف عند ذلك». تلويحٌ ينذر باحتجاجات قد تشعل فتيلها إعادة العدّ والفرز يدوياً، حتى على مقلب «التيار الصدري» الذي تشير تقديرات إلى إمكان عودته إلى التظاهرات. وحذر «تحالف سائرون»، المدعوم من زعيم «التيار» مقتدى الصدر، أمس، من دخول البلاد في «فراغ دستوري بعد انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي»، متمنياً أن «لا تؤدي الإجراءات (الأخيرة) إلى دخول العملية السياسية في المزيد من التعقيدات». ودعا «التحالف» الجهات الرسمية إلى «إصدار تطمينات للشارع العراقي بأن ما يحصل... لن تكون له أي مضاعفات سلبية على القانون والنظام العام».