بينما يشهد الشمال تطورات لافتة احتلّت صدارة المشهد السوري خلال الأيام الماضية، خفتَ الحديث عن المحادثات الخاصة باتفاق «خفض التصعيد» في الجنوب، وعن احتمالات التصعيد المفترضة على الأرض. ولم يخرج عن مسؤولي الدول الراعية لهذا الاتفاق، أية مواقف جديدة بما يخص اللقاءات التي كشفت عنها موسكو، غير أن الهدوء الحذر على الجبهات يشي بأن مسار التفاوض ما زال ناشطاً حتى اللحظة. وفي انتظار ما سيرشح عن هذا الملف خلال الأيام القليلة المقبلة، توالت الأنباء عن الاتفاق الأميركي ــ التركي حول مدينة منبج، واكتمل مشهد التحضيرات لانسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية، عبر بيان «مجلس منبج العسكري» الذي صدر أمس. وجاء هذا البيان مكملاً لموقف «الوحدات» وقوات «التحالف» الدولي، لكونه حرص على وضع «المجلس» في موقع القرار في شأن الانسحاب المفترض. وبينما أكد استعداد قواته لحفظ أمن المدينة واستعدادها لصد أي تهديدات خارجية، كشف أن قرار دخول «قوات سوريا الديموقراطية» (بما فيها الوحدات الكردية) إلى المدينة وعبورها الفرات، جاء بمعرفة تركية، وبعد اجتماع استضافته قاعدة انجرليك، وبحضور أميركي ــ تركي. وعلى رغم عدم توافق هذا السياق مع تصريحات المسؤولين الأتراك وتحذيراتهم، حينها، من مغبّة عبور «الوحدات» لنهر الفرات، عادت أنقرة لكسب ورقة هامة في منبج بعدما أكملت احتلال منطقة عفرين. ووسط التساؤلات عن مصير السلطات المحلية التي أنشأها «التحالف الدولي» تحت راية «قوات سوريا الديموقراطية»، أكد مسؤولون في «مجلس منبج العسكري» لوسائل إعلام، أنهم تلقوا ضمانات من «التحالف» ببقاء قوات الأخير في المدينة وحماية «المجلس» وقواته، مقدرين عدد «المستشارين الأكراد» الموجودين حالياً في المدينة بـ«العشرات».
أكدت أنقرة أنها تفضل «الدبلوماسية» لإخراج «الوحدات» من شرق الفرات

وفي المقابل، تناقل عدد من وسائل الإعلام التركية تفاصيل حول «اتفاق منبج» من مصادر محلية وأميركية، بدا لافتاً فيها أن الولايات المتحدة طلبت من «قوات سوريا الديموقراطية» سحب 17 من المستشارين التابعين أو المقربين من «حزب العمال الكردستاني». كذلك لفتت إلى أن عناصر «الوحدات» المتبقين في منبج سيغادرون إلى عين العرب (كوباني) رفقة القوات الفرنسية المنتشرة غرب الفرات، على أن يتم إنشاء 11 نقطة مراقبة تركية وأميركية في منطقة منبج لحفظ أمنها. ووفق التقارير نفسها، فإن «قوات سوريا الديموقراطية» سوف تكون مسؤولة عن مهمة الأمن ضمن المدينة خلال الأشهر الستة المقبلة، فيما ستدرب تركيا قوة أمنية جديدة من «أبناء منبج المحليين». ونقلت عن المصادر أن القوات الأميركية والتركية ستتولى بشكل مشترك السيطرة على سد تشرين على نهر الفرات، والذي يتحكم بالمياه المتدفقة إلى بحيرة الأسد ومنها إلى كامل وادي الفرات في سوريا والعراق، إلى جانب كونه المعبر الأهم بين الضفتين. وبالتوازي، أكد المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، مدة الأشهر الستة نفسها، مشيراً إلى وجود جدول زمني واضح لـ«خريطة طريق منبج» سينفذ خلال 90 يوماً. وأوضح أنّ جميع الخطوات التي سيتم الإقدام عليها خلال هذه الفترة «واضحة ومرسومة»، منوهاً إلى أنه سيتم لاحقاً «تطهير شرق الفرات» من عناصر «الوحدات»، وإلى أن بلاده تفضّل أن يتم ذلك عبر القنوات الديبلوماسية. كذلك، أوضح وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، أن «تطبيق خريطة الطريق سوف يساعدنا على إعادة بناء الثقة المتبادلة بين حليفين (تركيا والولايات المتحدة)»، لافتاً إلى أن «واشنطن لم تف بوعودها سابقاً و(خريطة الطريق) يجب أن تطبّق وإلا فإن الثقة سوف تنهار». وفي موقف متوقع، رحب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، يانس ستولتنبرغ، باتفاق تركيا والولايات المتحدة حول منبج. وأوضح أنه بحث هذا الملف مع الجهات المعنية في كل من أنقرة وواشنطن، داعياً إلى مراعاة «هواجس تركيا الأمنية المشروعة في مكافحة الإرهاب»، وفق ما نقلت عنه وكالة «الأناضول».