تشارف الأزمة الخليجية المندلعة منذ حزيران/ يونيو 2017 على دخول عامها الثاني، من دون مؤشرات إلى إمكانية أفولها قريباً، باستثناء التمنيات الأميركية المتكررة على الزعماء الخليجيين بـ«لمّ شمل» حلفاء الولايات المتحدة. تمنياتٌ يبدو، إلى الآن، أنها لن ترقى إلى أكثر من الحرص على منع أي تصعيد غير محسوب، تلافياً لتطورات يمكنها التأثير في المعركة الرئيسة التي تخوضها إدارة دونالد ترامب ضد إيران، والتي يتفاوت تحمّس الحلفاء الخليجيين لها بين منخرط كامل كالسعودية والإمارات والبحرين، ومحاذر كالكويت وقطر، وغير معنيّ كسلطنة عمان.وتجلّت آخر الدعوات الأميركية إلى إعادة وصل ما انقطع خلال لقاء جمع، الاثنين، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بالنائب الأول لوزير الخارجية الأميركي، جون سالفان، في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس حيث تنعقد اجتماعات «مجموعة العشرين». ووفقاً لبيان صادر عن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناويرت، شدد سالفان على ضرورة «تسوية الخلاف بين دول منطقة الخليج في أقرب وقت ممكن»، معرباً عن أمله أن «تشارك جميع الأطراف بشكل بنّاء في القمة التي ستنعقد في وقت لاحق من العام الجاري بين الرئيس الأميركي وقادة الدول الأعضاء في مجلس التعاون». وجاء هذا اللقاء بعد قرابة ستة أيام من لقاء آخر جميع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بنظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد، خلال محادثات أجراها الأخير في واشنطن. وبحسب بيان صادر حينها عن ناويرت أيضاً، أكد بومبيو لابن زايد رغبة ترامب في «رؤية تخفيف للنزاع الخليجي، وحلّ للأزمة في نهاية المطاف»، آملاً أن «يدخل جميع الأطراف في حوار بناء قبل عقد القمة الأميركية - الخليجية».
تقترب شركة مملوكة لكوشنر من استحصال دعم مالي من قطر


مواقف تثبت، مجدداً، عدم استعجال إدارة ترامب لإيجاد حل جذري للخلاف، وتطلّعها راهناً إلى تثبيت تهدئة من شأنها حشد جميع «الحلفاء العرب» خلف «الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها بومبيو أول من أمس بوجه إيران. هذه المساعي بدأت تتكثّف منذ فترة غير قصيرة (حتى قبيل إقالة وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون)، وبرز نموذج منها أواسط الشهر الجاري عندما استبق بومبيو إعلان وزارة الخزانة الأميركية، ومن بعدها «مركز استهداف تمويل الإرهاب» الخليجي، إدراج عشرة من قادة حزب الله على قائمة الإرهاب، بمباحثات هاتفية مع نظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أشاد فيها بـ«جهود قطر المتواصلة لمكافحة الإرهاب ومكافحة تمويله» في ما بدا انتزاعاً لتصديق قطري على بيان ممهور بتوقيع أميركي وآخر سعودي. لكن التعامل الكويتي - القطري - العماني، لاحقاً، مع نبأ العقوبات ظهّر بوضوح حجم التفاوت في حماسة «الأشقاء» إلى محاربة إيران وحلفائها، وأكّد أن هؤلاء ليسوا «على قلب رجل واحد» خلف إدارة ترامب. إذ إن قطر اكتفت في تعاملها مع الإعلان الأميركي - السعودي بقيام مدير المكتب الإعلامي في وزارة خارجيتها، أحمد الرميحي، بإعادة تغريد للخبر الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية بشأن القرار، من دون إصدار أي بيان رسمي، فيما بدا لافتاً أن التصريح الرسمي الصادر عن الكويت بهذا الشأن، والذي جاء على لسان مصدر مسؤول في وزارة الخارجية تحدث إلى وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، استثنى اسم الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، من قائمة الأشخاص والكيانات المشمولين بالعقوبات الجديدة. أما عمان فبدت، على المستويين الرسمي والإعلامي، غير معنية بالمطلق؛ إذ إنها أحجمت عن إصدار أي بيان تعليقاً على الإعلان الأميركي - السعودي، فيما طغت سمة التجاهل على وسائل الإعلام الرسمية فيها.
هي إذاً محاذرة قطرية (وتالياً عمانية - كويتية) في اتخاذ أي موقف يمكن أن يعطّل قدرة الدوحة على المناورة، ويمنعها من استثمار الهامش الذي لا تزال تتحرك فيه منذ فرض جيرانها المقاطعة عليها في 5 حزيران/ يونيو الماضي. محاذرة تجلّت مجدداً، خلال اليومين الماضيين، عقب إعلان بومبيو «استراتيجية» بلاده الجديدة ضد إيران، حيث أحجمت قطر عن إصدار بيان احتفائي أسوةً بما فعلته كل من الإمارات والبحرين، فيما بدا إعلامها أميل إلى التعاطف مع طهران منه إلى الوقوف ضدها. لكن ذلك كله لا يحجب حقيقة أن القطريين يواصلون مساعيهم «المحمومة» إلى كسب ودّ واشنطن، عبر عمليات استثمار بمبالغ كبيرة في مجالات مختلفة، كان آخرها ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام، حيث أشارت إلى أن شركة مملوكة لصهر ترامب، جارد كوشنير، تقترب من استحصال دعم مالي من شركة «بروكفيلد للعقارات» التي يُعدّ «جهاز قطر للاستثمارات» أحد أكبر المسثمرين فيها.
وتأتي هذه المساعي القطرية ضمن ما تصحّ تسميتها «حرباً مفتوحة» بين الدوحة من جهة وعواصم المقاطعة من جهة أخرى، على نيل أكبر قدر من الرضا داخل الولايات المتحدة. «حرب» كشفت بعضاً من فصولها وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية، أول من أمس، بنشرها وثائق إلكترونية لرجلَي الأعمال الأميركيين، جورج نادر وإليوت برودي، تظهر قيام هذين، بنحو غير قانوني، لكونهما لم يسجلا نفسيهما كوكيلين للجهات الأجنبية، بتحريض البيت الأبيض على اتخاذ مواقف عدائية ضد قطر، والسعي إلى استصدار تشريعات داخل الكونغرس تدين الدوحة بتهمة دعم الإرهاب، مقابل وعود تلقّياها من وليّي عهد السعودية، محمد بن سلمان، وأبو ظبي، محمد بن زايد، بالحصول على عقود تبلغ قيمتها الإجمالية مئات الملايين من الدولارات.