الرباط | للمرة الأولى منذ 1975، تاريخ نزاع الصحراء بين المغرب و«البوليساريو»، يُقدِم المبعوث الأممي الشخصي إلى الصحراء والرئيس الألماني الأسبق، هورست كوهلر، على الخروج من عقدة التفاوض الثنائي التقليدي بين الطرفين في سبيل حلّ نزاع عمّر أكثر من أربعة عقود في رفوف اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة. فقد فاجأ كوهلر الرباط والرابوني (محل قيادة «البوليساريو») بدعوة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي إلى جلسة تفاوض واستقصاء لوجهات نظرهم حول الحلول السياسية الممكنة لهذا النزاع.خطوةٌ قرأ فيها مراقبون أنها «طريق ثالث» غير معلن لحل النزاع، ويخرج بها كوهلر عن كر وفر «التفاوض الثنائي» بين المغرب الذي يقدم «الحكم الذاتي»، و«البوليساريو» التي تصرّ على «استفتاء حر». لكن هذا التحرك الأممي الجديد يثير تساؤلات عن مضمون الخطة وسيناريوهات الفشل والنجاح لجمع طرفين يرفضان التفاوض على طاولة واحدة حتى.
تقوم خطة هورست كوهلر على «تدويل التفاوض» حول الصحراء والبحث وذلك بإشراك التكتلات الإقليمية والدول الكبرى، ولا سيما المسماة دول «أصدقاء الصحراء الغربية»، وأبرزها إسبانيا وفرنسا وبريطانيا. ومن المرتقب أن يَحُلّ الوسيط الألماني في جلسة استماع خاصة بالبرلمان الأوروبي هذا الأسبوع، تخصَّص لمناقشة آخر تطورات النزاع. وهو منذ تعيينه مبعوثاً شخصياً مكلفاً ملفَّ الصحراء، يجري تحركات على أعلى مستوى.
ورغم تحفظ الرباط، كما قال متحدث أممي، يشدد المبعوث الأممي على إشراك الأوروبيين في هذا النزاع بعد تشديد قرار مجلس الأمن الأخير على قيادة الأمم المتحدة الحصرية للوساطة الجديدة. وعملياً، سيفعّل كوهلر الوساطة اليوم الجمعة، وذلك خلال الجلسة الخاصة التي دعت إليها لجنة الخارجية الأوروبية.
وبالنسبة إلى الموقف المغربي، تصر الرباط منذ حكم الملك محمد السادس على حصر التفاوض لحل النزاع ضمن إطار الأمم المتحدة، لكنها في السنوات الثلاث الأخيرة باتت تشترط التفاوض مع الجزائر بدلاً من «البوليساريو». لذلك، يرى عبد السلام فاتحي، وهو أستاذ جامعي متخصص في النزاعات الدولية، أن «اللقاءات التي سَيَعْقِدُها كوهلر مع مراكز القرار الأوروبي تكتسي أهمية خاصة، لكونها تأتي بعد تصويت مجلس الأمن على قرار تاريخي اعتبره البعض منعطفاً مهماً في طريق البحث عن معالجة سياسية لهذه الأزمة». لكنه يرى أن المبعوث الأممي «سيجد عراقيل كثيرة داخل أروقة الاتحاد، من جماعات الضغط التي تشتغل تحت وصاية طرفي النزاع والجزائر أيضاً».
في المقابل، ترحب «البوليساريو» بتدويل الأزمة، وترى أنها الطريقة «الأنسب» للفت انتباه المجتمع الدولي، في ظل ما تصفه بأنها «خروقات جسيمة يقوم بها المغرب». هنا يشرح محمد سلامي، وهو أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في طنجة، أن الجبهة تطالب منذ 2007 جميع المبعوثين الأمميين إلى الصحراء بإشراك الاتحاد الأوروبي والعواصم الكبرى مثل بكين وموسكو وواشنطن في حل النزاع. وحول تأثير التحركات الجديدة على «البوليساريو»، يقول سلامي، إنها «منذ وقف إطلاق النار سنة 1991، تتدحرج في مطالبها تجاه المغرب، بدءاً بالمطالبة بالاستقلال، مروراً بحق تقرير المصير، وصولاً إلى المفاوضات المباشرة».
ويرى سلامي أن السجال القائم الآن بين المغرب والجزائر حول «دعم إيران للبوليساريو عبر حزب الله على التراب الجزائري»، هو مجرد «تكتيك دبلوماسي» للرباط كي تهرب من «حرج التفاوض المباشر مع البوليساريو»، مشيراً إلى قرار مجلس الأمن الذي مرّر القرار الأميركي بفرض «التفاوض المباشر بين المغرب والبوليساريو من دون شروط، وهو القرار الذي أحرج الرباط».