بغداد ـ الأخبار واشنطن تبذل الجهود وتمارس الضغوط وتقدّم المساعدات لحسم سريع للمعارك الدائرة في الأنبار، فيما حكومة بغداد تتذرع بقلة الجاهزية ومخاوفها على حياة العراقيين لتأخير العملية العسكرية فيها. هذا على الأقل ما يظهر من خلال تطورات الأيام القليلة الماضية. إدارة باراك أوباما أعلنت جهاراً عزمها على تسريع وتيرة تطبيق صفقات السلاح الموقعة مع حكومة نوري المالكي، فيما تؤكد الأخيرة أن دخول القوات المسلحة إلى مدن الغرب «غير ممكن حالياً».

موقف الأولى يعكس قرارها المعلن القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أما الحكومة العراقية فيبدو منطق حساباتها مختلفاً. عدم وجود قدرة حسم لدى الجيش العراقي من جهة، والحسابات الانتخابية لرئيس الحكومة نوري المالكي، يظهران طاغيين على تفكير الأخير، بحسب مصادر سياسية عراقية غير معادية للمالكي. فهو يسعى إلى توظيف معارك الأنبار لتعزيز شعبيته وإسكات خصومه، خصوصاً أنه بنى مجده على «ضبط الأمن»، قبل أن ينهار بفعل السيارات المفخخة التي باتت أكثر من الألعاب النارية في بغداد. أما إسكات الخصوم، فيتم بحجة خوض معركة مصيرية في غرب العراق.
وعبّر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن قلقه حيال الأحداث الجارية في محافظة الأنبار، داعياً إلى ضرورة الحفاظ على التعاون المشترك بين الحكومة العراقية وعشائر المحافظة في محاربة الإرهاب. وقال البيت الأبيض، في بيان، إن بايدن تحدث إلى المالكي للتعبير عن مساندة الولايات المتحدة لجهود العراق في محاربة الجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة»، وهي رسالة أكد عليها بايدن في محادثة هاتفية أخرى الاثنين مع رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي.
وأضاف البيت الأبيض أن بايدن عبّر «عن القلق على العراقيين الذين يتعرضون للأذى على أيدي الإرهابيين»، مشيداً بـ«التعاون الأمني في الآونة الأخيرة بين قوات الأمن العراقية والقوى المحلية والعشائر في محافظة الأنبار».
وأعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة قررت تسريع تسليم صواريخ وطائرات مراقبة من دون طيار إلى العراق لمساعدة السلطات على مواجهة تنظيم «القاعدة».
من جهته، رأى وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي أمس، أن «الهجوم على الفلوجة غير ممكن في الوقت الحالي بسبب مخاطر وقوع ضحايا مدنيين»، في وقت أكد فيه المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع العراقية الفريق الركن محمد العسكري أن «قوات الجيش العراقي ما زالت خارج المدن في حين يسيطر عناصر داعش والقاعدة على قضاء الفلوجة».
وقرر مجلس الوزراء العراقي الاستمرار في العمليات العسكرية حتى تطهير أرض العراق من «الإرهاب»، كذلك قرر تقديم المستلزمات الإنسانية وإيصالها إلى المدن والمناطق التي تعاني من وجود «البؤر الإرهابية» ومن نقص في التموين. وكان المالكي قد خيّر أول من أمس عشائر الفلوجة بين مقاتلة «داعش» أو الاستعداد لعملية واسعة تنفذها الأجهزة الأمنية لاستعادة السيطرة على المدينة بعد نحو أسبوع من سيطرة التنظيم عليها.
في غضون ذلك، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمس أهالي الأنبار إلى التبليغ عن أي حالة إساءة في حال وقوعها عليهم من قبل قوات الجيش العراقي أو توثيقها، مستدركاً بالقول «بحسب علمي هناك توجيهات للجيش بعدم الاحتكاك بالمدن». ورد الصدر على سؤال بشأن ما تشهده محافظة الأنبار قائلاً إن «على أهالي الأنبار وباقي المناطق عدم إعانة الإرهابيين والتبليغ عنهم».
وفي السياق، رأى ائتلاف «متحدون للإصلاح» بزعامة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، أمس، أن «الممارسات أو السياسات الخاطئة في التعامل مع حقوق المعتصمين ومطالبهم، لا تتحملها سوى السلطة التنفيذية ورئيسها، وأي محاولة لإضفاء صفة طائفية في إدانة هذه السياسات أمر مرفوض، فنحن شعب واحد لا خلاف بيننا»، مضيفاً: «لنا في موقف شعب كربلاء الكريم الأبي صورة ناصعة في احتضانهم لأهالي الفلوجة المهجرين اضطراراً من بيوتهم وأعمالهم، فلهم كل الشكر والتحية». وتابع أن «السياسات الخاطئة في التعامل مع أهالي الأنبار ربما تكون السبب في دفع البعض لجعلهم حاضنة للجماعات الارهابية، إذ لا بديل من الحلول السلمية، ولا بديل من الحوار الجدي المخلص».
ميدانياً، عاشت مدينة الرمادي أول من أمس ليلة من الاشتباكات قتل فيها أربعة مدنيين، حاولت خلالها القوات الحكومية دخول مناطق يسيطر عليها مسلحو القاعدة من دون أن تنجح في ذلك، قبل أن يقتل 25 مسلحاً فيها بضربة جوية.
وكشفت مصادر حكومية أمس أن اشتباكات مسلحة اندلعت بين قوات الجيش المدعومة بالطائرات الحربية ومسلحين يعتقد أنهم من رجال العشائر جنوب مدينة الفلوجة، إذ ترفض عشائر الأنبار دخول الجيش إلى مراكز المدن، وتخوض معارك إلى جانب أجهزة الأمن المحلية لطرد مسلحين مرتبطين بالقاعدة من مدينة الفلوجة.