القاهرة | مع بدء العدّ التنازلي لدخول المصريين للاختبار الذي لا مفر من النجاح فيه والموافقة على الدستور الذي لا يعرف أي مسؤول في مصر تبعات رفض الشعب لإقراره، انقسم المصريون حول المشاركة في الاستحقاق المقرر في 14 و15 كانون الجاري بين فريق مؤيد، تمثله أحزاب جبهة الإنقاذ وحزب النور السلفي والمجلس الأعلى للطرق الصوفية، وبين فريق معارض، يضم عدداً من الأحزاب الإسلامية إلى جانب عدد من القوى الثورية التي ترى أن لجنة الخمسين التي أعدّت الدستور لم تحقق ما كانت تأمله، خاصة في ما يتعلق بمواد القوات المسلحة وبالتحديد مسألة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. وهناك أيضاً فريق ثالث يدعو إلى مقاطعة الاستفتاء، ليس لوجود تحفظات على بعض من مواده، بل «لعدم اعترافه بالسلطة الحالية»، بحسب بيان لحزب الحرية والعدالة وأحزاب التحالف الوطني لدعم الشرعية وكسر الانقلاب. القوى السياسية في مصر اعتبرت معركة الدستور بروفة لمعاركها الانتخابية القادمة، سواء البرلمانية أو الرئاسية، واستخدمت كافة إمكانياتها في الحشد، سواء لدعوة الناخبين للتصويت بنعم أو لا.

المؤيدون اتخذوا من مواد الحقوق والحريات والمواد التي تتحدث عن كفالة الدولة لحق علاج غير القادرين وتوفير فرص العمل للشباب، والمواد التي تؤكد مدنية الدولة ركيزةً أساسية لحثّ المصريين على دعم الدستور. ويرى رئيس حزب الكرامة محمد سامي، الذي كان عضواً في لجنة الخمسين، «أن الدستور كفل حقوق الفقراء والمهمشين إلى جانب حفاظه على الحقوق والحريات العامة»، لافتاً إلى أن المادة التي تتحدث عن كفالة التأمين الاجتماعي لكل مواطن مصري مهما كانت ظروف عمله أو عمره أو عدم وجود تأمينات اجتماعية له من أهم المواد التي ينص عليها الدستور وتهم المواطن المصري بشكل مباشر فهي ترسخ قيم الانتماء لدى المواطن تجاه بلده وتشعره أن المجتمع يكفل له حياة كريمة.
وأضاف «إن المواد الخاصة بميزانية التعليم والبحث العلمي تؤسس لتقدم الدولة ورفعة مكانتها»، معتبراً أن باب الحريات أيضاً من أفضل الأبواب الموجودة في الدستور بشهادة الجميع، إلا أنه قال إن مثل هذا الباب يهم قطاع المثقفين والنخبة، ولكن المواطن العادي يهتم بالمواد التي تلتصق به وبتنمية حياته بصفة مباشرة.
ورغم أن لجنة الخمسين أصرّت على حذف نص المادة 219 من دستور 2012 الخاصة بتعريف المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية، وهو ما دفع حزب النور إلى التهديد بالانسحاب من اللجنة، لم يجد هذا الحزب حرجاً في دعوة أنصاره إلى الموافقة على الدستور بحجة أنه أكثر دستور انتصر للشريعة ومواد الهوية الإسلامية.
بدوره، قال سكرتير عام مساعد حزب الوفد حسام الخولي «إن حزبه يعقد كل أسبوع مؤتمرين على الأقل، إضافة إلى المؤتمرات التي تنظمها أمانات الأحزاب في المراكز والقرى والنجوع»، مضيفاً أن هذه المؤتمرات أفضل من المؤتمرات الكبيرة التي تعقد على مستوى المحافظات، لأنه يكون فيها مساحة أكبر لتوعية المواطنين بمواد الدستور والإجابة عن كل أسئلتهم واستفساراتهم حول مواد الدستور وما يثار حوله من شائعات يروج لها البعض ضد الدستور.
وفي السياق، قال الأمين العام لحزب الجبهة أحمد فوزي إن حزبه عقد 16 مؤتمراً جماهيرياً منذ تحديد موعد الاستفتاء على الدستور، مؤكداً أن هناك جدولاً مزدحماً لفعاليات أخرى لدعم الدستور. بدوره، أعلن حزب الدستور قيامه بسلسلة من الندوات والمحاضرات والفعاليات في جميع أنحاء البلاد «يوضح فيها مزايا وعيوب التصويت بنعم أو لا على ضوء المزايا التي حصل عليها المصريون في الدستور الجديد والمواد التي يتحفظ عليها الحزب».
حركة تمرّد من جانبها دشّنت حملة تحت اسم «انزل شارك في دستورك وقول رأيك مهما كان خليك إيجابي». وأكدت أن الحملة تسعى لشرح مواد الدستور في جميع المحافظات والقرى والمناطق الشعبية، وتجعل الاختيار النهائي، سواء بـ نعم أو لا، للمواطن نفسه، لكنها في الوقت ذاته تسعى لإقناع المواطنين بالموافقة على الدستور والتصويت عليه بـ نعم، ونظمت الحملة عدداً من الفعاليات في عدد من المحافظات لتأييد التعديلات الدستورية. وبحسب مؤسس الحركة محمود بدر، فإنه «يجب على الجميع أن يحشدوا للموافقة على الدستور لما فيه من مواد تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، والتي من بينها تخصيص نسبة من الدخل القومي للتعليم والصحة، وكذلك المواد التي تؤكد على المساواة بين المواطنين المصريين جميعهم»، مضيفاً «إن الحملة ستكثف جهودها في الساعات القليلة التي تسبق الاستفتاء لحثّ المواطنين على التصويت بـ نعم للدستور».
من جانبه، أعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية موافقته على التعديلات الدستورية، وأكد أنه سيدعو المواطنين للتصويت بـ نعم على الدستور الجديد. وأعلن شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبدالهادي القصبي تأييده للدستور، دعماً لخريطة الطريق وسعياً نحو الاستقرار، و«للحفاظ على مؤسسات الدولة التي تسعى بعض التنظيمات للعبث بها».
أما الرافضين للدستور فهم يدعمون موقفهم بالحديث عن استمرار محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وكذلك المادة المتعلقة باختيار وزير الدفاع، التي تشترط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على شخصه لدورتين رئاسيتين، وتقريباً لم يجد المعارضون للدستور مواد أخرى لرفضه، فتحدثوا بشكل عام عن أنهم كانوا يتوقون إلى مواد أكثر إلزاماً للدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والإصلاح الاقتصادي، ويمثل هذا التيار قطاع كبير من الناشطين الحقوقيين، وخاصة مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية».
وهناك فريق ثالث يرفض الدستور لأنه جاء عبر لجنة مُعينة من «سلطة انقلابية» على حدّ قولهم، ويمثل هذا القطاع جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في تحالف دعم الشرعية، وبشكلٍ عام، لا يناقش هذا الفريق مواد الدستور، ولكنه يرفضه من حيث المبدأ، معتبرين أنه لا حاجة إلى دستور جديد لعدم اعترافهم بتعطيل دستور 2012 من الأساس، وهو ما عبّر عنه التحالف بدعوة أنصاره إلى «عدم المشاركة في الاستفتاء الباطل»، ولم يتمكن أنصار رفض المشاركة في الدستور من عقد أي مؤتمرات جماهيرية في الشوارع للتعبير عن رأيهم في الاستفتاء، خاصة بعد اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية.