عمان | مرّ أكثر من عشرة أيام على وصول السفير الإسرائيلي الجديد أمير فايسبورد إلى الأردن لمباشرة عمله، بعد ما بات يعرف بـ«حادثة السفارة»، وذلك بعدما قدّم أوراق اعتماده إلى الخارجية الأردنية. ولكن حتى اللحظة لم يلتقه الملك عبد الله الثاني وفقاً للبروتوكولات المعمول بها لاعتماد السفراء الجدد في المملكة، علماً بأن إسرائيل حصلت على موافقة مسبقة عند تسميتها سفيرها. مع ذلك، لا شيء يوحي بتأثر العلاقات الأردنية ــ الإسرائيلية قيد أنملة، كما أن فايسبورد سبق له العمل في عمّان بين عامي 2001 و2004، وهو يعرف البلاد ولغتها جيداً. هكذا، يمكن القول إن مشكلة السفارة محلولة رغم تجاوز البروتوكول، فيما لم يتغيّر أصلاً شيء على حركة المعابر ورحلات الطيران والتبادل التجاري، وحتى النشاطات الثنائية والتنسيق.إلى جانب العلاقة الرسمية، ثمة جهات أردنية وإسرائيلية تروّج منذ عام 1994 للتسوية، بوصف العلاقة بين الجانبين علاقة «دول صديقة». ورغم الغياب الجماهيري الحاشد عن الفعاليات ضد التطبيع، لم يكن التساوق مع هذا الترويج بالأمر السهل والمقبول، بل بقي يُحاط بشيء من التعتيم. ويتّبع الأردن سياسة كتومة يغلب فيها الجانب الأمني على الإعلامي في القضايا المتعلقة بتل أبيب، وحتى بعملية التسوية، وهذا يظهر مثلاً من لقاء عُقد قبل أيام بين الملك الأردني ووفد من مركز دراسات أميركي مختص بـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط. ووفق «وكالة الأنباء الأردنية» (بترا)، هذا المركز مقرّب من صانعي القرار في واشنطن، لكن الوكالة لم تذكر اسم المركز وحتى لم تنقل أي تصريحات على لسان شخوصه.
في سياق متصل، أعلن «معهد وادي عربة للدراسات البيئية»، وهو أحد المعاهد التطبيعية ذات الطابع العلمي التي تروج لعلاقات أردنية ــ فلسطينية ــ إسرائيلية بعيداً عن السياسة، أعلن تنظيم رحلة في الأردن وفلسطين المحتلة والضفة ما بين 23 نيسان و1 أيار 2018، مشيراً إلى أن تكاليف هذه الرحلة بحدود 6000 دولار، وأن الإقامة في فنادق 5 نجوم. أما عن سلامة المسافرين، فيذكر الإعلان أن المعهد ينسّق مع أجهزة الأمن الإسرائيلية ويتسلم جميع التنبيهات التي تنشرها إدارة الأمن في الوكالة اليهودية لإسرائيل وشركاتها التابعة، ومنها شركة «تجربة إسرائيل» الشريكة في هذه الرحلة. والأخيرة بالذات تقدم خدماتها إلى المجموعات الأكاديمية التي تقصد فلسطين المحتلة، وتوفر لها ما يلزم للإقامة والتنقل والمرشدين والطبابة، وبالطبع الأمن، إذ ترتبط «تجربة إسرائيل» مباشرة مع قوات الجيش والشرطة وجمعية حماية الطبيعة في إسرائيل وجميع السلطات والوكالات ذات الصلة. ومن الجدير بالذكر أن أي مجموعات سياحية إسرائيلية تدخل الأردن يجب أن ترافقها حراسة من الشرطة السياحية الأردنية.
تحظى «زيارات التطبيع» المتبادلة بحماية أردنية وإسرائيلية


ونشر موقع المعهد تفاصيل الرحلة التي تبدأ بوصول المشاركين من مطار الملكة علياء ثم اللقاء بممثل عن العائلة الأردنية المالكة، ويلي ذلك التجوال في العاصمة عمان والتوجه بعدها إلى البحر الميت، ويتخلل ذلك لقاء أردنيين، منهم شخصية نسوية صنّفت من قِبل مجلة «فوربس» ضمن قائمة من 50 سيدة أعمال عربية. وتستمر الرحلة بهدوء نحو مدينة البتراء، إحدى أكثر الوجهات التي تثير الاهتمام الإسرائيلي في المملكة. وإلى هنا ينتهي الجزء الأردني من البرنامج في العقبة، حيث يجري استكشاف الحدود والاطلاع على «شركة تطوير العقبة» التي توصف رسمياً بأنها الذراع التطويرية لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، المشرفة على الاستثمار والمشاريع المستدامة في الجنوب الأردني. وفي تلك المنطقة المرفأ البحري الوحيد، كما يوجد مطار جوي ومعبر بري مع الأراضي الفلسطينية المحتلة من الغرب، وحدود طويلة مع السعودية في الشرق.
البرنامج يستمر في فلسطين بزيارة القدس المحتلة وبعض القرى (العوجا وصور باهر)، ثم ينتقل إلى الضفة، وبالأخص مدينة روابي حيث سيلتقي الطلاب مع مؤسّسها المليونير الفلسطيني بشار المصري. ويلي ذلك التوجه إلى رام الله حيث سيلتقي الطلاب ممثلين من مستوى رفيع عن السلطة، ثم يكون ختام البرنامج في القدس، والسفر للقادمين من الخارج عبر مطار بن غوريون في تل أبيب.
يشار إلى أن هذا البرنامج السياحي المكثف، الذي يتمتع باهتمام عالي المستوى من الجانبين الأردني والفلسطيني، لا يُحكى عنه كثيراً في الإعلام، رغم أن «معهد وادي عربة»، الذي يقدم برامج مشتركة مع جامعة بن غوريون، هو من أكبر الجهات التي تهتم بالتطبيع، وبعض برامجه تقدّم بالمجان إلى الطلبة الأردنيين والفلسطينيين. وقد يبدو مستغرباً، بالقياس إلى سياق العلاقة بين عمان وتل أبيب، أن تكون هذه الرحلات قائمة في حين أن التسوية أصلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين متوقفة منذ سنوات، وسط تراجع للدور الأردني في القضية الفلسطينية، ومنها ملف القدس، وذلك تحديداً منذ بدأت تتكشف العلاقات السعودية ــ الإسرائيلية.
على الجانب العلني، في هذه الأيام التي تشهد الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية وسط احتفالات إسرائيلية، واستعدادات أميركية لافتتاح السفارة في القدس، يحافظ الأردن على خطابه الديبلوماسي ويجدد رفضه لهذه الخطوة متسلحاً بقرارات مجلس الأمن، ويؤكد في كل مناسبة وتصريح موضوعين: أوّلهما أنه مع حل الدولتين، وأن «القدس الشرقية» عاصمة لفلسطين، وثانيهما موضوع الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. ويبدو أن هاتين النقطتين تكفيان لرفع العتب عن عمان في ما يخصّ فلسطين، ما يعطيها مساحة للالتفات إلى المشكلة الكبرى المتعلقة بتقليص خدمات «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، وسيناريوات ما بعد توقف عملها، ولا سيما أن أكثر من مليوني فلسطيني في المملكة ستسقط عنهم صفتهم الاعتبارية كلاجئين ونازحين إذا ما أنهت الوكالة خدماتها، وهو ما يشكل عبئاً جديداً على المملكة، بالإضافة إلى الشكوى المستمرة من نقص الدعم للاجئين السوريين.
من جهة أخرى، يبقى التساؤل قائماً عن مستقبل العلاقات الأردنية مع إسرائيل، في ظل أن الأردن يشكل حلقة الوصل الجغرافي مع السعودية، وهل أعطت زيارات مراكز السلام استعداداً لانفتاح أردني أكبر تغلب عليه السمة الاقتصادية بعد مشاريع الغاز المبرمة أخيراً، وربط أنابيبه مع خط الغاز العربي الممتد على طول المملكة من الجنوب حتى الشمال مروراً بالأراضي السورية، عدا التطلعات الإسرائيلية نحو سكة القطار (الخط الحجازي) لتأمين معبر آمن للبضائع من ميناء حيفا حتى شبه الجزيرة العربية، وبالعكس.