تونس | لا يفصل التونسيين عن إجراء الانتخابات المحلية سوى نحو شهر ونصف شهر، ولا تزال الساحة السياسية تتهيأ لهذه المحطة المهمة لتركيز «ديموقراطية المحليات» التي ستتعزز بصدور «مجلة الجماعات المحلية» إثر نقاشها والمصادقة عليها في البرلمان. وتتجاوز هذه المجلة واقع كونها حزمة بنود قانونية تنظم عمل السلطات المحلية، لتُمثِّل امتحاناً حقيقياً في رسم تصوّر لديموقراطية تشاركية حقيقية على المستوى المحلي، تُنهي عهداً من سيطرة المركز وتركز القرارات فيه.ويوم أمس، شرع البرلمان التونسي في مناقشة مشروع المجلة التي تُعدُّ من أكثر القوانين تعقيداً وطولاً، وهي محل تجاذبات بين رؤى مختلفة للسلطة المحليّة وتقويمات متعددة لمدى جاهزية التونسيين للحكم المحلي. إلا أنّ مراقبين، يتوقعون ألا يتم الانتهاء من مناقشة المجلة إلا بعد إجراء الانتخابات البلدية، إذ يرتبط موقف بعض القوى السياسية بالنتائج التي سيُحققونها في الانتخابات المرتقبة شهر أيار/ ماي المقبل. ويكشف استمرار البرلمان في تأجيل جلسات مناقشة مشروع المجلة في أكثر من مناسبة، آخرها أمس، عدم جاهزيته للمرور إلى هذه المرحلة، برغم ضيق الوقت مقارنةً بالعدد الهائل لفصولها (392 فصلاً) وضخامة المقترحات المقدمة للتعديل والإضافة (500 مقترح).
برغم ذلك، تبقى أهمية تنفيذ الباب السابع من دستور عام 2014، المتعلق بالسلطة المحلية، وتفعيله، موضع إجماع بين الفرقاء السياسيين والمجتمع المدني. فقد أسس الدستور التونسي لحكم محليّ يقوم على مبدأ التدبير الحر والاستقلالية المالية والإدارية والتعاون اللامركزي والديموقراطية التشاركية والحوكمة المفتوحة وتفويض السلطات وإلغاء أشكال المراقبة المسبقة على تسيير الشؤون المحلية من قبل المركز، مستثنياً فقط حق السلطة المركزية، أو المواطنين، في الالتجاء إلى القضاء للطعن في المقررات الإداريّة.
ولا تُعدُّ الصيغة الحالية من مشروع مجلة الجماعات المحلية محل رضا الجميع، وكانت اللجنة المختصة قد شرعت في النظر فيه في شهر أيار/ ماي الماضي، وانتهت منذ أسبوعين فقط من مناقشته، قبل أنْ تحيله على الجلسة العامة للبرلمان. ورغم سعيها لتلافي ردود الفعل الرافضة عبر تكثيف المشاورات حوله، فإنّ اللجنة لم توفّق في ذلك. واعتبرت منظمة «صوليدار» (تونس الاجتماعية) أنّ مشروع المجلة معقد ومتعدد الأحكام والإجراءات، ما يحول دون سرعة استيعاب أعضاء الجماعات المحلية مستقبلاً لأحكامه وبنوده، علاوة على محافظته على تركّز مفرط للسلطة المركزية في مجال السلطة المحلية. وقالت إنّ «المس الصريح باستقلاليتها المالية والإدارية... يكشف تخوفاً إزاء السلطة المحليّة وتراجعاً عن مكتسبات الدستور».
في الصدد ذاته، اعتبر «المركز التونسي المتوسطي» أنّ البلاد غير جاهزة للمرور مباشرة نحو اللامركزية، إذ يتسم الواقع الحالي بضعف الإمكانات المالية والبشرية، وهو ما يتطلب تركيزاً متدرجاً زمنياً «لا يتجاوز عشر سنوات» حتى تتمكن السلطات الجهوية والمحلية من تطوير قدراتها والاعتماد على ذاتها وبناء لامركزية فعليّة في الأمد البعيد.
رئيس لجنة تنظيم الإدارة المشرفة على مناقشة المشروع، محمد الناصر جبيرة، يقول لـ«الأخبار»، إنّ مسار اللامركزية سيسلك طريق النجاح إذا توفرت «عدة شروط»، من بينها توفير الإمكانات المالية حتى تستطيع هذه الجماعات ممارسة سلطاتها ودعمها دون التدخل فيها، معتبراً في الوقت نفسه أنّ تركيز السلطات الجهوية سيكون عامل تنمية في الجهات. ويشير جبيرة إلى أنّ المشروع صيغ وفق «رؤية تراعي المعايير المعتمدة في تطبيق مبدأ الحوكمة المحلية في ديموقراطيات عريقة»، ويراعي بالتوازي مع ذلك «الخصوصية التونسية». ويوضح أنّ السعي كان «حثيثاً من أجل تقويم الصياغة الأصلية للمشروع بما يمكّن من جمع ما أمكن من توافق وإجماع في الساحة البرلمانية وخارجها».
من جهة أخرى، تُثمِّن المعارضة البرلمانية بلوغ مشروع مجلة الجماعات المحلية إلى هذه المرحلة من النقاش، إلا أنّ القيادي في «الجبهة الشعبية» جيلاني الهمامي، يوضح في حديث إلى «الأخبار» أنّ الانتهاء من المصادقة عليها قبيل الانتخابات البلدية «أمر ضروري». وهو يقول إنّ «ثمة أطرافاً تخشى الديموقراطية المحلية، خوفاً من تفويض السلطة المركزية الى السلطات المحلية، فتتفتت بذلك سيطرتها على مفاصل الدولة».