بينما تواصل الأطراف الليبية المنقسمة بين سلطتي طرابلس وطبرق حواراً سياسياً ترعاه الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية، طغى الإعلان، يوم الثلاثاء الماضي، عن أحكام الإعدام بحق مسؤولين سابقين في نظام العقيد معمر القذافي على مجمل التطورات الليبية. مشهدٌ سياسي كان من بين دلالاته تأكيد أنّ التطورات في ليبيا ليست محكومة بصورة حصرية بعوامل الصراع الثنائي على السلطة.
وإثر إعلان محكمة في طرابلس أحكاماً بحق 37 مسؤولاً سابقاً في نظام القذافي، كان أقصاها الإعدام بحق تسعة، بينهم سيف الإسلام القذافي، توالت ردود الفعل السياسية الرافضة، تقدمها موقف أحمد قذاف الدم، وهو أحد رموز النظام السابق، الذي توقع حدوث ردود فعل «تأكل الأخضر واليابس»، فيما ردّ مجلس نواب طبرق بدوره على الأحكام بإصدار قانون العفو العام، الذي قد تشمل مواده مسؤولي النظام السابق.
كذلك، رأت وزيرة الصحة في الحكومة الليبية الانتقالية السابقة، فاطمة الحمروش، في حديث إلى مراسل «الأخبار» (آدم الصابري)، أن «الأحكام لا تساعد على بسط الأمن والاستقرار في البلاد، وهي بداية مرحلة جديدة تؤسّس لحرب أهلية بين الليبيين».
وكان لهذه الأحكام ارتدادات إقليمية كذلك، ولا سيما في تونس، حيث يدور جدال بين أطراف سياسية حول من يتحمّل المسؤولية إزاء عملية تسليم أحد المحكومين إلى السلطات الليبية قبل عامين، وهو آخر رئيس وزراء في نظام القذافي، البغدادي المحمودي.
وبينما التزمت الجزائر الصمت إزاء قضية الأحكام، رأى مصدر هناك، في حديث إلى مراسل «الأخبار»، أنّ «الصمت الجزائري يعبّر عن مخاوف من الوقوع في خطأ قد يعكّر الاتصالات التي تربط الجزائر مع عدد من الأطراف الليبية الفعالة»، معرباً عن خشيته، في الوقت نفسه، من أن يكون خلف الأحكام «أطراف خارجية لا يروقها استقرار ليبيا والمنطقة».

كان لهذه الأحكام
ارتدادات إقليمية، ولا سيما
في تونس

وشهد الداخل الليبي بعض ردود الفعل الرافضة للأحكام، خصوصاً في مدينة سبها في الجنوب وفي بعض المناطق المجاورة لها. وقد خرجت تظاهرات في المدينة رفضاً للأحكام الصادرة. ووفقاً لوكالة «الأناضول»، فإن التظاهرات خرجت في عدة أحياء، من بينها حي الفاتح سابقاً، الذي تقطنه «قبائل القذاذفة»، وينتمي إليها العقيد الليبي الراحل.
الجنوب الليبي: صراع آخر
وربما أظهرت تظاهرات سبها تصوراً يفيد بأنّ إحدى أكبر مدن الجنوب الليبي قد تمثّل بوابة لعودة عناصر فعالة من النظام السابق عبر حراك قبلي ــ عسكري يهدف إلى قلب معادلات داخلية. لكن في المقابل، يجزم متابعون للشأن الليبي بأنّ هذا التصور غير دقيق، على اعتبار أنّ تطورات هذه المدينة معقدة ولا يمكن اختصارها بعامل واحد، نظراً إلى الفراغ الأمني الذي تعرفه، كذلك فإنها غير معزولة تماماً عن الصراعات الدائرة في الساحل. وأيضاً، ثمة احتمالات مفتوحة منذ 2011 على تطورات منطقة «الساحل الأفريقي» الممتدة من مالي حتى السودان.
وتتصل مدينة سبها، عبر ممر، بطريق سريعة تقع عند الساحل الليبي وتمتد بين شرق البلاد وغربها. ويربط الممر المدينة مباشرة بسرت، مسقط رأس القذافي التي يحاول تنظيم «داعش»، مستفيداً من دعم تقدمه عناصر من منظومة القذافي السابقة، جعلها قاعدة رئيسية له بعد خسارته المتوقعة راهناً لمدينة درنة.
بالتوازي مع ذلك، يرى المتابعون أنّ قراءة تطورات الجنوب الليبي، وسبها خصوصاً، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع انتشار المجموعات الجهادية (من غير «داعش») في منطقة «الساحل الأفريقي»، وفي النتيجة، تتداخل ضمن تلك المساحة الجغرافية معطيات داخلية وأخرى إقليمية، ذات أهمية موازية.
وتتعزز فرضية «الصراع الآخر (أو الموازي)» في الجنوب بفعل تجدد الصراع وتناميه بين «الطوارق» و«قبيلة تبو»، وقد سقط قبل نحو 10 أيام عشرات القتلى ضحية اشتباكات وقعت بين الطرفين في إحدى ضواحي سبها. ودفعت تلك التطورات بأطراف من المدينة إلى طلب مساعدة من مسؤولين عسكريين في طرابلس لإعادة النظام. وفي دلالة واضحة على وزن العوامل الإقليمية المتداخلة في الجنوب الليبي، حذّر أول من أمس «المؤتمر الوطني العام» (السلطة التشريعية في طرابلس) «الدول المتورطة في شأن الجنوب، من مغبة العبث بأمنه واستقراره أو بتركيبته السكانية أو ثروته الطبيعية».
(الأخبار)