صنعاء | أصدرت «اللجنة الثورية العليا» سلسلة قرارات اقتصادية أخيراً، أثارت ضجة كبرى في أوساط اليمنيين، سرعان ما خفتت بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس اللجنة محمد علي الحوثي. ووضعت حركة «أنصار الله» القرارات الثلاثة في خانة «الخيارات الاستراتيجية» التي لوحت بها سابقاً.
وبينما يقضي القرار الأول بتعويم أسعار المشتقات النفطية وربطها بأسعار البورصة العالمية وفقاً لمتوسط سعر الشراء خلال الشهر السابق، نص القرار الثاني على إنشاء ميناء نفطي في منطقة الصليف في محافظة الحديدة بطاقة استيعابية قدرها خمسمئة الف طن في المرحلة الأولى قابلة للزيادة إلى مليون طن في المرحلة الثانية، على أن تتولى شركة النفط بالتنسيق مع الوزارة اتخاذ كل الإجراءات والترتيبات اللازمة للشروع في تنفيذ الميناء. وفي سياق الخطوات التنفيذية للقرار، جرى في الحديدة أول من أمس، توقيع محضر اتفاق تسليم قطعة أرض مساحتها 3 ملايين و500 ألف متر مربع لغرض إنشاء ميناء نفطي في مديرية الصليف بين شركة النفط وهيئة أراضي وعقارات الدولة. وتبلغ تكلفة إنشاء الميناء النفطي التقديرية 100 مليون دولار. أما القرار الثالث، فقد نص على إنشاء محطة كهرباء بقدرة ألف ميغاوات في المرحلة الأولى قابلة للتوسع إلى ألفي ميغاوات في المرحلة الثانية، ونص القرار على أن تتولى وزارة الكهرباء اتخاذ كل الإجراءات والترتيبات اللازمة للشروع في تنفيذ المحطة، خلال مدة أقصاهاه 30 يوماً.
استقبل اليمنيون هذه القرارات بتشكيك في جدّيتها، في ظلّ استمرار حصار العدوان السعودي على بلدهم. وكان لقرار تعويم أسعار المشتقات النفطية الحصة الأكبر في إثارة حفيظة الرأي العام، خصوصاً بعد ربطه بانتفاضة اليمنيين في أيلول الماضي، ردّاً على قرار حكومة سالم باسندوة رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
لكن «اللجنة الثورية العليا» وشركة النفط اليمنية عقدوا في صنعاء أول من أمس مؤتمراً صحفياً، تخلله عرض حيثيات قرار تعويم الأسعار وإنشاء ميناء نفطي في منطقة الصليف وإنشاء محطة كهرباء. وفي المؤتمر الصحفي، أكد محمد علي الحوثي أن قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية يصب في مصلحة المواطن وخدمته، على اعتبار أن القرار سيلغي التعرفة الجمركية والضريبية على المشتقات النفطية والرسوم التي كانت تسلم لصندوق الطرق وصندوق التشجيع الزراعي والتي تثقل كاهل المواطن. وقال الحوثي إن هذا القرار مؤقت يتناسب مع المرحلة الراهنة، وإنه في حالة ارتفاع السعر العالمي للبنزين ستدعم الحكومة المشتقات النفطية، قاطعاً الطريق أمام استثمار القرار لمصلحة العدوان أومقارنته بقرار رفع الدعم السابق.
ويرى الخبراء هذا القرار «جريئاً» لكونه يمسّ أهم احتياجات الناس، وقد يثير سخطهم. في هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي والمالي، طارق المطهر، إن القرار سيفضي إلى تخفيف الأعباء بدلاً من زيادتها كما يظنّ البعض، عبر الاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية التي ستستمر لفترة طويلة». ولفت المطهر في حديثٍ إلى «الأخبار»، إلى أن بقاء دور السلطات في الرقابة على تغير الأسعار عالمياً وتحديد متوسط السعر بين الحين والآخر، بالإضافة إلى تعهدها بدعم السعر إذا تجاوز السعر الحالي، يضمن عدم حدوث مخاطر تمس مصلحة الأفراد.

لوح الحوثي باستكمال العمل بـ«الإعلان الدستوري» إن لم تشكَّل الحكومة

وعلمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أن «اللجنة الثورية العليا» أبرمت اتفاقات مع رجال أعمال وشركات نفطية تؤمن توريد المشتقات إلى اليمن، قبل إصدارها القرار. وامام حيرة شعبية وتحذيرات إقتصادية من مخاطر فشل القرار وتأثيره على القطاع الخاص ورجال الأعمال والعملة الاجنبية وتسربّها إلى الخارج، يؤكد المطهر أن الضرورة تقتضي توفير المشتقات من جهة، بالتزامن مع ضرورة وجود رقابة على حركتي الاستيراد وتحويل العملة الاجنبية.
وأكد المطهر أن القرار له دلالات عديدة تتعلق بكسر الحصار والاحتكار وقطع الطريق أمام العدوان الذي يحاول جعل الأزمة النفطية مبرراً لتثوير الناس وكسبهم لمصلحته.
من جهته، نفى محمد الحوثي أن يكون القرار قد جاء لغرض دعم «المجهود الحربي»، وفقاً لما تقوله وسائل إعلام مقربة من السعودية. وشدد في المؤتمر الصحفي على أن القرار يأتي في سياق استراتيجية متكاملة للتخفيف من معاناة المواطن، مؤكداً أن الحكومة التي سيجري تشكيلها قريباً ستقوم بواجبها في وضع معالجات وحلول لهذه للمشاكل الاجتماعية. كذلك، لوح الحوثي باستكمال العمل بـ«الإعلان الدستوري» (أعلنته «أنصار الله» بعد استقالة الرئيس والحكومة في شباط الماضي)، «إذا تهربت القوى السياسية من تحمّل مسؤوليتها في تشكيل حكومة وطنية والخروج باليمن من الأزمة».
وبشأن جدوى إنشاء ميناء نفطي في هذا التوقيت ومبررات ذلك، قال الحوثي إن المراسي في اليمن لا تتحمل حالياً دخول سفن كبيرة للنفط. وفي ضوء هذا الواقع أُصدر قرار بإنشاء الميناء. وتابع موضحاً: «إذا وجد لدينا مخزون نفطي نستطيع الصمود والاستقرار واستمرار الدعم للمشتقات النفطية والحصول عليها وتسويقها بصورة طبيعية». في هذا الوقت، أشار مدير شركة النفط إلى أن الخزانات النفطية الموجودة حالياً لا تغطي احتياج اليمن إلا لمدة سبعة أيام، مضيفاً حتى لو كان النفط رخيصاً لا تستطيع الدولة في ظل إمكاناتها الحالية استيراد كمية كبيرة من المشتقات النفطية نظراً إلى عدم وجود ميناء نفطي يستوعب تلك الكميات وتخزينها».