أصبحت «الأمر بالمعروف» عبئاً على علاقات السعودية الخارجية
في مقابل هذا السخاء على «الترفيه»، يبرّر مقدمو توصية «إذابة الهيئة» داخل الوزارة، الخطوة المنتظرة، بأنها إجراء تنظيمي لا أكثر. ويقول هؤلاء إن ضمّ «الأمر بالمعروف» إلى الوزارة سيساعد في تخفيف عجز الميزانية الحكومية، بتجنب ازدواجية الجهود وخفض الإنفاق، فيما يذهب آخرون إلى أن «فريضة الأمر بالمعروف واجب على كل مسلم»، مستندين إلى أن «النصوص الشرعية» لم تشر إلى تكوين جهاز أو هيئة لهذه «الشعيرة»، وأن النظام الأساسي للحكم في المملكة ينص على أن الدولة ككل «تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»، فما الداعي إلى حصر المهمة في هيئة واحدة؟ يتساءل هؤلاء.
إزالة «الحصن المنيع»
يعلم ابن سلمان أن تمكين «هيئة الترفيه»، المستحدثة قبل نحو عامين بأوامر ملكية، لن يكون ممكناً من دون إزاحة «الأمر بالمعروف» من المشهد. لكن سلخ صورة ملازمة للسعودية منذ 78 عاماً إلى اليوم، وإدخالها إلى متحف التاريخ في أقل من سنتين، لا يبدو، وفق المؤشرات، أنه يسير بسلاسة، خصوصاً أن الهيئة كانت من الأدوات الدينية المهمة لبناء «الشرعية» الداخلية لحكام المملكة منذ عام 1940، وتجذرت في مفاصل الدولة وفي أوساط فئة ليست بقليلة من المجتمع السعودي، ما قد يولِّد صراعاً جديداً مع عدم القدرة على ضبط السياق الاجتماعي في المملكة، خصوصاً في ظل غياب أي تطوير للقيم السياسية.
قد لا يتمكن كبار علماء الوهابية، الحرصاء على العقد السياسي بين آل سعود وآل الشيخ، من منع العقد الاجتماعي، وربما السياسي، من التفسخ، أو «الإفتاء» بـ«شرعية» خطوة ابن سلمان، لكن رجال الهيئة أو «المطاوعة» كما يُعرفون، البالغ عددهم 4 آلاف رجل، ويتقاضون رواتب من الحكومة ويرفضون «الترفيه»، قد يتجهون إلى المجتمع بخطاب معارض خارج قالب السلطة، بعد ضمّ هيئتهم إلى الوزارة وطرد معظمهم، ولا سيما أن كثيراً من السعوديين ينظر إليهم على أنهم يمثلون «الحصن المنيع» بمواجهة «البدع» و«الانحرافات». وهنا تبرز مخاطر ازدواجية السياسة الدينية السعودية، التي تطلق يد الجناح الديني حيناً وتغلّها حيناً آخر، وفق المصلحة السياسية.
«شرعية الخارج» بديلاً
الانتقال السريع من دولة شديدة المحافظة إلى «علمنة المجتمع»، كما سبق أن بشّر بذلك سفير أبو ظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، حين تحدث عن حكومات علمانية في الخليج، يدل على خضوع القرار السعودي للخارج، وعلى المزاجية والارتجال اللذين تتسم بهما السلطة السعودية الجديدة. أحرجت «الهيئةُ» المملكة في الإعلام الغربي، وخصوصاً الأميركي، في قضايا تافهة كتحريم لعبة «باربي» مثلاً، وكان رجالها على الدوام في مرمى الانتقادات، لكونها تواجه «مخالفات» بسيطة بالنسبة إلى السعوديين، فيما تسكت عن السجون السياسية والتعذيب والقمع. لكن خطوة مجلس الشورى «الصوري» ليست مرتبطة بإصلاح «الهيئة» فقط، بقدر ما هي استجابة ملحّة لمساعي ابن سلمان إلى إلباس السعودية ثوباً جديداً يقطع صلتها بالماضي، من خلال إحداث تغييرات جوهرية في هوية المجتمع عبر زيادة جرعات الانفتاح والتغريب.
لقد أصبحت «الهيئة» عبئاً على السعودية في علاقاتها الخارجية وفق ما يرى كثيرون، في حين أن السلطة في عهد الملك سلمان لم تعد تستمد شرعيتها السياسية من الميثاق التأسيسي لها، بقدر ما باتت تستمدها من الخارج. من هنا، كلما ابتعدت السعودية عن جذورها الدينية الأصلية، أصبحت أكثر اهتماماً بالعلاقات الخارجية، وازدادت تحولات خطابها من التغني بالدين بشعارات من قبيل «نحن دولة التوحيد» و«نحن مستهدفون في ديننا»، إلى رفع شعار محاربة الإرهاب والتطرف.