اللاذقية | «الله يلعن الحرب يلي خلتنا نوقف بالطوابير لناخد معونة، والله كان يلي محتاج يجي لعند أبو العبد ويعرف إنو وصل... وهلق بعد ما راح بيتي ومحلي ورزقي صرت دوّر على مين يعطيني»، يقول أبو العبد النازح من حلب الذي حولت قذيفة البناية التي تضم بيته ومحله التجاري إلى خرابة، ليصبح مشرداً هو وعائلته المؤلفة من زوجته وأربعة أبناء وأمه وأخته المصابة بشلل الأطفال.
أبو العبد يفترش الأرض واضعاً كرتونة تحت رأسه. يستعد للنوم أمام بوابة مركز جمعية «الإخاء». غداً هو يوم توزيع المعونات، وهو لا يريد أن يضطر إلى الانتظار ساعات طويلة تحت الشمس الحارقة للحصول على دور. هو ليس الوحيد الذي اختار النوم هنا، إذ يبدو أنه بات خيار الكثيرين ممن وجدوا أن النوم في الشارع أكثر رحمة من «طوابير الذل».
ساعات الانتظار الطويلة ليست الهمّ الوحيد لدى المهجرين، فالبعض يتحدث عن فجوات إنسانية في هذا العمل الإنساني بإطاره العام. أحاديث تتناول سوء تعامل من قبل بعض المكلفين توزيع المعونات الذين هم غالباً من المتطوعين. «مو كل مين تطوع لخدمة النازحين معناها إنساني وبحب الخير، منهم كتار جايين لحتى يستفيدو وبذلو الخلق»، يلفت عقل المهجر من ريف حلب.

السرقة ليست
دائماً الدافع وراء فتح صندوق المعونات
سوء التعامل، الذي هو على الغالب سلوك فردي، تضاف إليه تجاوزات أخرى تطول المعونة ذاتها. فالسلة الغذائية التي تكفي عائلة من4 أشخاص نحو 2 إلى 3 أشهر، وقيمتها الإجمالية نحو 10 آلاف ليرة سورية، تكون محتوياتها أحياناً غير متوافقة مع البطاقة الملصقة على الكرتونة التي تتضمن المواد الموجودة ضمنها. هذه التجاوزات تصب غالباً، حسب أحد الناشطين في الشأن الإغاثي، في خانة الجهات المخولة توزيع المعونات غير التابعة لمنظمة «الهلال الأحمر»، والتي تضم الجمعيات الخيرية والمجموعات التطوعية وبعض الجهات الأخرى.
ويعتبر الناشط أن السرقة ليست دائماً الدافع وراء فتح صندوق المعونات، «أحياناً يكون الدافع هو النية الطيبة بغرض إفادة أكبر عدد ممكن من المحتاجين، من مبدأ إنو إذا استفاد من المعونة 4 عائلات فهاد شي منيح، وغالباً هي القصة بتصير بمراكز التوزيع بالضيع، لأن في المدن رقابة من المنظمات بشكل مباشر».
وصول المعونة إلى مستحقيها، وإن ناقصة هو أرحم من عدم وصولها، حسب إحدى المحاميات، التي شرحت في حديث إلى «الأخبار» أنها حصلت منذ فترة على قسيمة تخول حاملها الحصول على معونة من أحد زملائها الذي يوزع قسائم على معارفه. وتشرح أنها رغم استيائها من الفكرة، إلا أنها أخذت القسيمة وأعطتها لأحد العمال في حيها لجهة يقينها أنها إن لم تأخذ القسيمة سيحصل عليها شخص آخر هو أيضاً لا يستحقها. سيدة أخرى يبدو أن لا مشكلة لديها في الحصول على معونة مخصصة للمتضررين من الحرب، رغم أنها من الميسورات، إذ يقوم أحد أقربائها بإمرار بعض المواد الإغاثية إليها بين الحين والآخر، وعلى رأسها «حفاضات» الأطفال التي جعلتها تستغني عن شرائها تماماً.

«توزّع مجاناً»

ظاهرة المعونات المسروقة بعبواتها المطبوع عليها «توزع مجاناً» والمختومة بختم اليونسيف، تعلن عن نفسها دون مواربة في بعض المحال التجارية في المدينة علاوة على «سوق الجمعة» الذي يقام على أطرافها. بات لها زبائنها الذين يفضلونها لجهة أسعارها المنخفضة مقارنة مع مثيلاتها في الأسواق. «كل شي موجود سكر ورز وزيت وتونة ومعكرونة، وتقريباً بنصف حقو أو أقل. اليوم اشتريت 3 ربطات معكرونة بـ100 ليرة، بينما الربطة الوحدة سعرها بالسوق 100 ليرة»، يقول أحد «زبائن المعونات» في سوق الجمعة. ومن جانب آخر لا بد من ذكر احتمال ثانٍ موازٍ لاحتمال سرقة المعونات، هو قيام بعض النازحين ببيعها، ولا سيما في ظل الفوضى وعدم التنسيق بين الجهات التي تقوم بالتوزيع، ما يجعل البعض يحصلون على معونات تفيض عن حاجتهم، خاصة من يقيم منهم في مراكز الإيواء.
علاوة على ما سبق، وحسب أحد الناشطين في المجتمع الأهلي في اللاذقية، تظهر قضية أخرى تستفز البعض، وهي كون محتويات السلة الغذائية تركية المنشأ. ويقول: «يستفزنا كون محتويات السلة الغذائية صناعة تركية، وكان الرد على استفساراتنا أن المنظمات الدولية توقع عقوداً مع معامل للحصول على هذه المواد، واختيرت تركيا لأنها اقرب دولة عندها معامل لهذه المنتجات، بمعنى أن تركيا تستفيد مادياً من الحرب التي هي طرف فيها». ويضيف بأسى: «شي بضحك وببكي بنفس الوقت، انو الأتراك عم يساعدو عدونا علينا ويعطوه اسلحة ودعم ليقتلنا، وبعدين منجيب اكلنا من صحنهم».