القاهرة | لم يمنع الانشغال الرسمي بالتحضير لحدث افتتاح المشروع الجديد لقناة السويس (المرتقب بعد أسبوع من اليوم وأُعلن يوم عطلة)، الحكومة المصرية، من الاستمرار في إنجاز حزمة تشريعات تسبق عملية انتخاب البرلمان المتوقعة خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني المقبلين.وتستفيد الحكومة من نص دستوري يحصّن القوانين والقرارات الصادرة منذ تاريخ إخراج الرئيس محمد مرسي من الحكم في تموز 2013 حتى تاريخ انتخاب البرلمان. وتستفيد الحكومة أيضاً من إشارة النص الدستوري نفسه إلى وجوب مراجعة القوانين والقرارات الصادرة خلال مدة الـ15 يوماً التالية لتاريخ انعقاد البرلمان، وهي مدة يستحيل فيها مراجعة ما بات يزيد على خمسمئة قانون وتعديل تشريعي.

وتقوم، مثلاً، وزارة العدالة الانتقالية، برئاسة المستشار أمين الهنيدي، بإنجاز عدة مشاريع ترتكز على قوانين تبدو من وجهة نظر الحكومة عاجلة، على عكس مشاريع قوانين أخرى تتباطأ الحكومة في إصدارها بصورة متعمدة، من بينها تعديلات قانون الصحافة وتعديلات قوانين مباشرة الحقوق السياسية للبدء في إجراء الانتخابات البرلمانية المؤجلة منذ أكثر من عام.
وفي رأس هرم السلطة، أقرّ الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الأيام الماضية، قانونين اثنين أثارا الجدل، بينما يُتوقع أن يقر، قريباً، قانون مكافحة الإرهاب. يتعلق القانون الأول بحق رئيس الجمهورية في إقالة رؤساء الأجهزة الرقابية، وفقاً لضوابط محددة، وهو المشروع الذي تقدمت به وزارة العدل، فيما يحيل القانون الثاني إلى مسألة تحرير المحكمة الدستورية العليا من تواريخ الفصل بالطعون التي ترسل إليها بشأن قوانين الانتخابات.
وللإشارة إلى أهمية ما أقره السيسي، يضمن القانون الثاني إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها دون صدور حكم ببطلان القوانين التي تخاض على أساسها، بينما يُبقي في الوقت نفسه على إمكانية حل البرلمان قضائياً على غرار ما حدث لبرلمان 2011 الذي سيطرت عليه «جماعة الإخوان المسلمين» بسبب «عدم دستورية القوانين التي جرى على أساسها اختيار النواب».
وقد تُفهم أهمية هذا القانون إذا ما أخذ في الاعتبار أنه ضمن المشهد السياسي المصري، يبقى هاجس حل البرلمان موجوداً لدى القوى المعارضة، بخاصة أن تشكيلة البرلمان المقبل لم تتضح معالمها بعد. فلا يمكن التأكد من فوز أي تيار سياسي بالأغلبية لغياب كيان قوي تقف خلفه شخصيات بارزة تحظى بأغلبية في الشارع، وسط توقعات بتحالفات سيجريها المحسوبون على «نظام مبارك» ــ العائدون بقوة إلى الساحة السياسية.
أهمية القانون المشار إليه تُعرف كذلك بمعرفة جوهرية المسألة بالنسبة إلى النظام الحاكم منذ تموز 2013. فقانون السيسي بخصوص تحرير المحكمة الدستورية من سرعة الفصل بالطعون الدستورية، يأتي ليلغي (أو يعدّل) ما كان الرئيس الحالي للمحكمة الدستورية، المستشار عدلي منصور، قد أقرّه في هذا الشأن إبان توليه الرئاسة لمرحلة انتقالية بهدف تحصين البرلمان المقبل من الحل في أي وقت، وبعدما كانت الحكومة قد أوقفت، بدورها، في نيسان الماضي مشروع قانون لتحصين البرلمان يقضي بإرجاء تنفيذ أي حكم قضائي ببطلان قوانين الانتخابات إلى ما بعد انتهاء الدورة البرلمانية التي تستمر خمس سنوات.
بالعودة إلى حزمة القوانين، فإن الجهاز المركزي للمحاسبات (يرأسه المستشار هشام جنينه ويُعتقد أنه المقصود من إقرار إقالة رؤساء الهيئات الرقابية والمستقلة)، تقدّم بمذكرة رسمية لمحكمة القضاء الإداري، تؤكد عدم دستورية القانون استناداً إلى عيوب شكلية وأخرى موضوعية.
ولا تتوقف الرغبة في إقرار القوانين على السيسي فحسب، لأنّ وزير العدل، المستشار أحمد الزند، يسعى في غياب البرلمان إلى إقرار التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية وغيره من القوانين المرتبطة بالقضاء، خاصة أنّ منصبه الحالي يمنحه سلطة إعداد تعديلات تشريعية يجري رفعها للحكومة ثم إلى رئيس الجمهورية لإقرارها. وعرض الزند على مجلس القضاء الأعلى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، تتضمن تحديد الحبس الاحتياطي بـ18 شهراً في حد أقصى، على أن تكون في قضايا الإعدام والمؤبد 24 شهراً، ملغياً بذلك التعديلات التي أدخلت بخصوص فتح مدة الحبس الاحتياطي دون قيد قبل عامين، أي بعد عزل مرسي.
وتضمنت التعديلات القانونية، أيضاً، تحديد النيابة العامة وحدها كجهة مختصة بإصدار قرارات المنع من السفر، بالإضافة إلى اعتبار الأحكام حضورية على المتهمين بعد إعلامهم، وليس حضورهم جلسات المحاكمات كما هي في القانون الحالي.
تعديلات القوانين الجنائية تشمل أيضاً تقليص مدة التقاضي وإلغاء التزام المحكمة الاستماع إلى الشهود وتحويل الأمر إلى تقدير القاضي، وغيرها من التعديلات التي يرى فيها الزند، والحكومة، تسريعاً لخطوات التقاضي، بينما يرى فيها عدد ليس بقليل من القضاة والمحامين إخلالاً بمبادئ العدالة.
ويظهر أن حزمة القوانين التي تسعى الحكومة إلى إقرارها ترتبط بدراسة مشروع قانون لتنظيم أسعار الكهرباء وزيادتها تدريجاً خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى مشروع آخر من وزارة الداخلية لتعديل لوائح قانون السجون الذي يواجه بتحفظات حقوقية.
كذلك، من ضمن المشاريع هناك مشروع قانون لـ«النيل الموحد» الذي يتضمن تنظيم عملية الحركة والنقل بنهر النيل، إضافة إلى مشروع قانون الهيئة الوطنية للإعلام ومشروع قانون هيكلة «ماسبيرو»، وكلها تمس قطاعات عريضة من المجتمع المصري، لكن لم يُكشف عن صورتها الأولية بعد.