عمّان | بدا بيان وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية، بشأن إيقاف اتفاقية الشراكة التجارية مع تركيا، كأنه صحوة ضمير تجاه الصناعة المحلية، إذ علّل البيان القرار بأنه «جاء في ضوء التحديات التي تواجه القطاع الصناعي الأردني جراء إغلاق المنافذ الحدودية مع الدول المجاورة وانحسار الأسواق التصديرية التقليدية أمام الصادرات الوطنية»، إضافة إلى أنه «يهدف إلى تجنب المزيد من الآثار السلبية التي لحقت بالقطاع الصناعي في ضوء المنافسة غير المتكافئة التي يتعرض لها من البضائع التركية التي تحظى بدعم من الحكومة التركية، ما أفقد المنتج الأردني القدرة على المنافسة في السوق المحلي لهذه البضائع».قرار الإيقاف، الذي يحتاج ستة أشهر للدخول إلى حيز التنفيذ، أشعل سجالاً بين التّجار الذين تلقوا ضربة مؤلمة من هذه الخطوة، وبين الصناعيين المحليين الذين شعروا بأنهم أُنصفوا، ولو جزئياً، وهذا يؤشر على أن السياسات الاقتصادية امتدت لتطاول القطاع الخدمي الخاص الذي يرتبط بصورة حيوية مع تركيا بعد أن غصّت الأسواق المحلية ببضائع الأخيرة، وهي موجة واضحة المعالم في المملكة، خصوصاً منذ إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين والانفتاح الثقافي والإعلامي على أنقرة.
وكانت اتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارية حرة بين الأردن وتركيا قد دخلت حيز التنفيذ عام 2011، وهدفها «تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، ولإزالة العوائق والقيود أمام حركة تجارة البضائع، بما في ذلك المنتجات الزراعية... ولتوفير الظروف العادلة للمنافسة في التجارة». وبحلول 2018، تقضي الاتفاقية بأن تكون الرسوم والرسوم ذات الأثر المماثل المطبقة في الأردن على المنتجات من منشأ تركي مُلغاة.
مع ذلك، يربط كثيرون بين الزيارات الرسمية الإماراتية للأردن، وكذلك الزيارة الأخيرة للملك عبد الله الثاني للإمارات، وبين إيقاف العمل باتفاقية الشراكة. ففيما وصل إلى عمّان وفدان رفيعان أحدهما برئاسة وزير المالية الإماراتي، نائب حاكم دبي، حمدان بن راشد، والآخر برئاسة وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، بفارق أقل من أسبوع، اتخذت رئاسة الوزراء الأردنية قرارها بإيقاف العمل بالاتفاقية المذكورة بعد ما يقارب سبعة أعوام على مباشرة العمل بها.
تلقى التجار «ضربة موجعة» من القرار، فيما يستفيد منه الصناعيون


لكن لا يجب إسقاط المتابعة الحثيثة من صندوق النقد الدولي للخطوات الاقتصادية الأردنية كافة، وبالطبع لن يستثنى موضوع تجميد الاتفاقية من ذلك، ما يعطي بعداً آخر لهذا القرار، ولا سيما أن الملك بنفسه ترأس زيارة اقتصادية مهمة للهند نهاية شباط الماضي، ودعا المستثمرين هناك للتوجه إلى الأردن والاستفادة من التسهيلات والمدن الصناعية وقوانين تشجيع الاستثمار والموقع المتميز وما تتمتع به المملكة من «أمان في محيط ملتهب»، وهذا ما أكده الوفد الاقتصادي المرافق، مع الإشارة إلى المناطق الخاصة الاقتصادية والمرافق اللوجستية التي تُعدّ لمرحلة إعادة إعمار سوريا.
ويمكن القول إن السياسة الاقتصادية الأردنية تتخذ طابعاً جديداً في جذب الاستثمارات، إذ تقرر منح الجنسية أو الإقامة الدائمة لمستثمرين وفق شروط معينة، كذلك استحدثت أخيراً وحدة خاصة مستقلة في الأمن العام معنية بحماية الاستثمارات والمستثمرين، تقوم على واجبات عملياتية واستخبارية بالتواصل اليومي على مدار الساعة مع المستثمرين عبر قاعدة بيانات خاصة بهم، ومن طريق غرف عمليات منتشرة في الأقاليم وبخطوط ساخنة.
كل ذلك يؤكد أن هذا القرار لم يكن وليد اللحظة، فعلى مدار أكثر من عام كانت ملامحه واضحة، ولم تتوانَ وزارة الصناعة والتجارة عن إبلاغ الجانب التركي خلال الاجتماعات الدورية لمجلس الشراكة الأردني ــ التركي، أو عبر لقاء السفير التركي لدى عمّان، عن النتائج السلبية للاتفاقية التي لم تعد بالأثر الإيجابي على عمان، بل فاقمت عجز الميزان بقوة لمصلحة أنقرة. وحثّ الأردنيون نظراءهم الأتراك مراراً على تدارك الأمر كمطلب أساسي للقطاع الحكومي والخاص والاستثمار، وإقامة مركز لوجستي في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ولكن الهوّة بقيت كبيرة. وتُظهر البيانات على موقع «دائرة الإحصاءات العامة» أن الميزان التجاري لكافة الأصناف (المستوردات للأردن مطروحة من الصادرات لتركيا عام 2016) يُظهر قيماً سالبة، بل هناك منتجات لا تصدّر أصلاً إلى تركيا، بل تستورد بالكامل.
مهما تعددت الأسباب وراء القرار، فإن نظر الجميع يتجه نحو ما هو أكبر من شراكات ثنائية صغرى مكلفة ولا تتوافق مع متطلبات الإقليم، خصوصاً مع بدء التقديرات لتكلفة إعادة إعمار سوريا والعراق، إذ كان هذا كان أحد البنود التي طُرحت في زيارة رئيس الوزراء هاني الملقي لمصر، حيث اتُّفق على البدء بدراسة إنشاء مركز لوجستي مشترك يتولى المساهمة في إعادة الإعمار.
يشار إلى أن الأردن وتركيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تملكان حدوداً مباشرة مع سوريا والعراق معاً، وهو ما يعني أنه سيكون هناك تنافس شديد في مجال الإعمار، علماً بأن الأردن وقّع نهاية 2017 اتفاقات لبناء مطار ومركز لوجستي في مدينة المفرق (بالقرب من الحدود السورية والعراقية) مع شركة «سيف بورت» ومقرها الولايات المتحدة الأميركية، ويتكون طاقمها الإداري من ضباط كبار متقاعدين من الجيش الأميركي والقوات البحرية خدموا في مواقع متصلة بوزارة الدفاع وأيضاً بـ«حلف شمال الأطلسي».