غزة | فرحة لم تتم، هكذا يمكن أن ينظر نحو مئة وخمسين معلماً من قطاع غزة إلى ما حدث معهم على جسر الملك حسين ــ الكرامة، حيث منعتهم السلطات الأردنية من الدخول إلى المملكة، تمهيداً لذهابهم إلى قطر للعمل هناك. ثمة مفارقة عجيبة، تقضي بأن الدوحة نسقت مع تل أبيب رأساً لإخراج هؤلاء المعلمين ــ على أنهم أول دفعة ــ كي يعملوا في أراضيها، مع استمرار إغلاق معبر رفح على الحدود مع مصر، فيما يرفض الأردن دخولهم لاعتبارات تتعلق بالتنسيق والتأشيرات ظاهرياً، وعملياً بالعلاقة مع السلطة في رام الله، التي بالطبع لن ترضى عن هذه «التسهيلات» بقرينة أن حركة «حماس» ستستفيد منها، خاصة أنها تأتي بالعنوان القطري.
وكان من المقرر لهؤلاء، الذين استُثني بعضهم لأسباب أمنية كما رأتها إسرائيل، أن يتقدموا إلى اختبارات القبول في الأردن، ولكن المناكفة السياسية بين «حماس» و«فتح» كانت العثرة التي حطمت آمالهم بعدما عبروا حدود القطاع المحاصر ومروا بالوطن المحتل. وتفيد المعلومات الأخيرة، بعد اضطراب ليومين، بأن المدرسين عادوا من حيث أتوا، بعدما مكثوا في أريحا، شرق الضفة المحتلة، وكانوا ينتظرون تسوية التنسيق الخاص بهم عبر «الشؤون المدنية».
جراء ذلك، تقرر تشكيل لجنة اختبارات خاصة بمعلمي غزة، بعدما أخفقت الجهود لتصحيح سوء التنسيق وتمكينهم من دخول الأراضي الأردنية، على أن يعلن وقت حدوث ذلك لاحقاً. برغم هذا، تقول مصادر إنه إذا كان هناك شيء من الصحة في ما يتعلق بالخلل في التنسيق، فإن الدافع الأكبر هو «إذلال قطر التي تجاهلت دور السلطة في التنسيق مع إسرائيل لكل الأسماء التي صدرت في كشف الخاضعين للاختبار، لأن الدوحة تولت إجراءات التنسيق مع الاحتلال عبر سفارتها».
وأوضحت المصادر أن هناك من فهِم أن قطر تسعى إلى تجاوز السلطة في رام الله وتثبيت حضور «حماس» والاعتراف بها دولياً وأيضاً التخفيف عن حصارها في القطاع، مشيرة إلى أن استقطاب هؤلاء المعلمين قد ينظر إليه على أنه «بالون اختبار»، برغم أن الذين تقدموا إلى العمل عبر المواقع الإلكترونية القطرية كان عددهم بالآلاف، ومنهم فلسطينيون من الضفة المحتلة.
وبغض النظر عن كون ما حكي حقيقة أو تقديرات، فإن الظاهر أن أي تجاوز للسلطة التي تسعى إلى البقاء في مربع التمثيل الأوحد للفلسطينيين لن ينجح، وخاصة أن هذا «الاستحقاق» تنظر إليه رام الله على أنه آخر ما بقي لها من أوراق قوة. وبما أن السفارة القطرية هي التي تولت التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ولم تتسلم الشؤون المدنية الفلسطينية أي إشارة لتولي التنسيق، لكنها لم تستطع منع المعلمين من الدخول عبر معبر بيت حانون ــ «إيريز»، شمال قطاع غزة، وإيصالهم إلى جسر الملك حسين، وفق تعليمات الجانب الإسرائيلي، وهذا ما ذكره مسؤول في «الشؤون المدنية» فضّل إخفاء اسمه.
هذا الكلام يتقاطع مع تصريحات المدير العام للإدارة العامة للمعابر والحدود في السلطة، نظمي مهنا، التي أكد فيها «تفاجأنا بوصول وفد المعلمين المتجهين إلى عمان لإجراء مقابلات مع وزارة التربية والتعليم القطرية»، مضيفاً: «عندما وصلوا إلى معبر الكرامة سألنا الجهات المعنية عن التنسيق لهم في الأردن فأفادونا بأن لهم تنسيقات، ولكن لم يكن هناك أي ترتيب ولا علم لدى الجهات الأمنية في المملكة أو وزارة الخارجية والتربية والتعليم». وأوضح مهنا أن «الجهات المختصة بذلت جهوداً لحل مشكلة المعلمين الذين غادروا غزة»، ثم ظهر أن ذلك انتهى بلا نتائج.
وتذهب المصادر الأولى إلى أن «سوء العلاقة بين قطر والأردن، مقابل متانة العلاقة بين عمان ورام الله، عاملان يمنعان المحاولة القطرية بشأن». ولكن مسؤولاً في السلطة نفى ما أشيع عن أن رئيس السلطة، محمود عباس، هو الذي أوعز «بطلب شخصي» منع معلمي غزة من دخول الأردن إلا بالتنسيق عبر سلطته.
وللإشارة، فإن أمير قطر، تميم بن حمد، كان قد أوعز إلى حكومته نهاية العام الماضي، وتحديداً خلال استقباله رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله، بضرورة تسريع استقطاب 20 ألف كادر فلسطيني للعمل في الإمارة، كما فتحت رام الله منذ الربع الأول من العام الجاري، موقعاً إلكترونياً لاستقطاب طلبات العمل في قطر، وتقديمها إلى الأخيرة. وأكدت مصادر حكومية أن أكثر من 60 ألف طلب تم تسجيلها عبر الموقع.