بعدما فاز برئاسة حزب «الليكود» بالتزكية، عبَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الطريق نحو رئاسة الحكومة المقبلة للمرة الخامسة منذ توليه قيادة «الليكود» عام 1993. وضمِن نتنياهو الفوز برئاسة الحزب بفعل امتناع أيّ من قيادييه عن تقديم ترشيحه لمنافسته في الانتخابات التمهيدية التي كانت مقررة في الثالث والعشرين من شباط المقبل (بعدما ألغتها المحكمة الداخلية في الحزب). ولقيت هذه النتيجة المحسومة انتقادات واسعة من محللين ومراقبين التقوا على وصف ما جرى بأنه أبعد ما يكون عن كونه «انتخابات ديموقراطية».
ورغم أن محور التعليقات الإسرائيلية تركز على البعد الديموقراطي لهذا الحدث، فإن الوجه الآخر يتصل بشخصية رئيس الحزب نفسه، نتنياهو، الذي استطاع تحييد كل منافسيه داخل حزب بات أقرب إلى اليمين الاستيطاني.
من أهم العوامل التي ساعدت الرجل على التفرد بقيادة «الليكود» ما يتصل بمجمل الساحة السياسية وأخرى تتصل بالحزب نفسه وشخصية نتنياهو وأدائه أيضاً؛ تعاني الساحة السياسية الإسرائيلية، عموماً، من غياب القيادات الكاريزماتية والتاريخية، وهو ما فتح الطريق أمام شخصيات مثل نتنياهو لتصدر الساحة، فباتت المنافسة تجري بين أجيال قيادية من الصف الثاني والثالث.
نتنياهو استطاع تحييد كل منافسيه داخل حزب بات أقرب إلى اليمين الاستيطاني

وممّا يتسم به «الليكود» أنه على عكس «العمل»، لم يكن يعجّ بشخصيات قيادية لامعة قادرة على جذب الشارع. فمنذ 1948، ومع تأسيس حزب «حيروت» الذي تحول إلى «الليكود» لاحقاً، قاد الحزب مناحيم بيغن إلى حين اعتزاله الحياة السياسية في 1983. وتولى إسحاق شامير بدلاً منه رئاسة الحزب، في ظل محدودية الخيارات لتولي قيادة بديلة. وفي 1992، استقال شامير من منصبه بعد خسارة الانتخابات العامة آنذاك.
نتيجة ذلك، وصل نتنياهو للمرة الأولى إلى رئاسة الحزب، رغم أنه كان من قياديي الصف الثاني، مع الإشارة إلى أنه لم ينتخب شارون في ذلك الحين رغم أنه كان أكثر «نجومية» منه. السبب يعود إلى أنه في ذلك الوقت كان تأثير دوره في الحرب على لبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا حاضراً بقوة، ونتيجة ذلك لم يكن بالإمكان توليه قيادة الحزب. أما عن توليه هذا المنصب بعد نتنياهو، فقد كان نتيجة اعتزال الأخير الحياة السياسية بعد الضربة التي تلقاها بفعل خسارته في الانتخابات العامة مقابل إيهود باراك في 1999.
وكان شارون الأبرز لمهمة التصدي لقيادة الحزب، ثم عاد نتنياهو إلى قيادة «الليكود» بعد انشقاق شارون عنه وتأسيسه «كديما» في 2005. واختير نتنياهو مرة أخرى من أجل إنقاذ «الليكود» الذي تراجعت شعبيته إلى مستوى أنه نال في انتخابات 2006، 12 مقعداً.
وقد اشتهر نتنياهو خلال تولّي قيادة «الليكود» بالعمل على إقصاء كل من كان مرشحاً لمنافسته أو مصدر إزعاج وإرباك له، كما حدث مع القيادي اليميني المتطرف موشيه فايغلين، وحاول بكل جهوده إقصاء سيلفان شالوم، الذي استقال في الأسابيع الأخيرة على خلفية الفضائح الجنسية. وفي العام الأخير أيضاً، برز اسم الوزير السابق غدعون ساعر، كمنافس مفترض لنتنياهو. ووفق العديد من التقارير، فقد كان اعتزاله السياسة قبل أكثر من عام، يعود إلى أداء نتنياهو وضغوطه عليه.
ويرجّح أن يكون تفسير مسارعة نتنياهو في الأيام الماضية إلى إجراء انتخابات تمهيدية مبكرة في «الليكود» مرتبطاً بتثبيت زعامته، ومنع إعطاء ساعر فرصة للمنافسة الجدية ضده، كونه من أبرز الشخصيات القيادية في «الليكود»، خاصة أنه في حال إجراء انتخابات للكنيست بعد أكثر من عام، فإن على «الليكود» إعادة انتخاب رئيسه، وفي هذه الحالة من المستبعد أن يوافق الحزب على تغيير رئيسه في ذروة الحملة الانتخابية، وتحديداً عندما يكون رئيساً للحكومة.
وتجدر الإشارة إلى أن «الليكود» بدأ يشهد منذ منتصف التسعينيات بداية تغيير في تركيبته الداخلية بفعل تسلل قوى يمينية استيطانية متطرفة إلى قواعده وهيئاته القيادية. والمنطق الذي استندت إليه هذه الجماعات أن تغلغلها داخل الأحزاب الكبيرة يسمح لها بالتأثير في القرار السياسي للدولة، خاصة إذا تنامى حجم كتلها داخل الأحزاب.
وعمَّقت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة من طابع «الليكود» كحزب استيطاني، ما عطّل محاولة لعبه دور حزب الوسط في الساحة السياسية، فيما استفاد نتنياهو من هذا المتغير الذي يتلاءم مع خطه الفكري والسياسي.