عمان | في نهاية شارع الجامعة الأردنية، وبالضبط بالقرب من المستشفى التعليمي، تقبع مجموعة من الأبنية الطبية التي تبدأ بعيادات الفحص المبكر لسرطان الثدي، ثم التوسعة الأخيرة لـ«مركز الحسين للسرطان» وصولاً إلى مبانٍ أخرى، لا يكاد يمرّ المرء من جانب آخرها إلا ويلاحظ لوحة إعلانية ضخمة تظهر فيها عادة صورة لطفل أو طفلة مبتسمين مع دعوة للتبرع في حملة لم تتوقف يوماً لجمع تبرعات للمستشفى المتخصص محلياً بمرض السرطان، ويُشهد له على مستوى المنطقة.
في التسعينيات، أُقيم (حفل) تيليثون عبر شاشة التلفزيون الأردني لجمع تبرعات من أجل افتتاح مستشفى الأمل للسرطان، وبعد وفاة الملك حسين غُيّر الاسم ليصبح «مركز الحسين للسرطان»، وهو جزء من مؤسسة بالاسم نفسه تشرف على أعمال المركز، وكان آخر توسع كبير قد حصل في أيلول 2017 ليحاكي عدد المرضى المحليين الآخذ بازدياد، فضلاً عن الوافدين من الخارج. وضمت التوسعة مبنيين أحدهما باسم «الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان»، والآخر باسم «الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود»، وذلك في جزء من المنحة الخليجية التي قُدّمت إلى المملكة على مدار خمس سنوات كانت نهايتها العام الماضي، ونُفّذ ما يقارب 70% من مشاريعها، إذ حصل هذا المركز على 25 مليون دولار من الإمارات و52 مليوناً من السعودية.
لكن هذا الجزء «المشرق» من الصورة لن يستمر طويلاً، إذ لا تزال الهزات الارتدادية التي رافقت إقرار الموازنة القاسية لعام 2018 مستمرة، وقد طاولت هذه المرة الإعانات المخصصة لعلاج مرضى السرطان ممن تقل أعمارهم عن 6 سنوات وتزيد على 60، بدعوى أنهم مشمولون في التأمين الحكومي المجاني. ومثّل ذلك مفاجأة لمرضى المركز المعنيين الذين يبلغ عددهم 1400 منذ بداية العام الجاري، خاصة وقف تجديد الإعفاءات الممنوحة لهم من طريق رئاسة الوزراء وتحويلهم إلى مستشفيات حكومية. وتأتي الإعفاءات للاستفادة من خدمات «مركز الحسين» (مؤسسة غير حكومية وغير ربحية) من الديوان الملكي أو رئاسة الوزراء، وليس بالضرورة أن يُعالج كل المرضى في المركز الذي يخدم حالياً 31% من الأردنيين والأجانب، فمنذ 2008 بدأ تحويل المرضى إلى المستشفيات الحكومية والعسكرية والجامعية، بالإضافة إلى الخاصة.
استياء كبير ظهر في الشارع الأردني من هذه الخطوة، رافقه ضغط إعلامي أُتبع باعتصام دعا له المرضى المتضررون من القرار وعائلاتهم أمام رئاسة الوزراء ظهر أمس، رغم أن المتحدث باسم الحكومة محمد المومني، أكد قبل ذلك بيوم أن المرضى المُعفَين سيستمرون بالحصول على العلاج والمتابعة من «مركز الحسين» لغاية شفائهم، في خطوة تبدو كأنها تراجع عن القرار. وكان رئيس «جمعية أصدقاء مرضى السرطان» موسى الرياشات، قد قال لـ«الأخبار» إن هناك مرضى توجهوا بعد تصريحات المومني لتجديد إعفاءاتهم، لكن جرى تحويلهم إلى مستشفى البشير، مضيفاً أنهم سيمنحون الحكومة 24 ساعة للتأكد من صحة هذه التصريحات وإلا فسيتجهون إلى خطوات تصعيدية في عدة أماكن.

سيُخفَض دعم «مركز الحسين» من نحو 70 مليون دينار إلى 20 مليوناً
أما المرضى الجدد، يضيف الرياشات، فستُشكل لجنة لمناقشة حالة كل منهم على حدة.
مع ذلك، يبدو أن ما حدث أقرب إلى ترحيل المشكلة لا حلها، لأن مرجعية متابعة المرض من مسؤولية وزارة الصحة، لذلك لم يكن المرضى بعيدين عن القرارات الرامية إلى تخفيف نفقات الوزارة، كذلك لم يُستثنَ مرضى المركز الذي رغم تمتعه بالاستقلالية، يتلقى دعماً حكومياً سينخفض هو الآخر إلى 20 مليون دينار (28 مليون دولار أميركي) بعد أن كان يصله 60 ــ 75 مليون دينار (85 ــ 106 ملايين دولار)، كما صرح مساعد مدير المركز منذر حوارات. ومع النسب المرتفعة للإصابة بالسرطان، تبدو خطوات الحكومة لتخفيف النفقات غير إنسانية، إذ يظهر التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن «الصحة» عام 2015 أن عدد المصابين بالمرض لعام 2012 يبلغ 5013 أردنياً غالبيتهم من سكان العاصمة عمان.
من جهة أخرى، كان نقابيون وحقوقيون وخبراء بيئيون يحذرون مراراً من أثر مفاعل «ديمونة» (جنوب فلسطين المحتلة) في ارتفاع نسب السرطان في الأردن والضفة المحتلة. وبالرجوع إلى المواد الإعلامية التي تتحدث عن خطر المفاعل الإسرائيلي القديم، لا نجد تقارير أردنية محلية في هذا الخصوص، وأغلب ما نشر اعتمد على تقارير عالمية وإسرائيلية قديمة تبين الأضرار الجسيمة في جسم المفاعل المبني في محيط منطقة صدع جيولوجي ذات نشاط زلزالي، عازية تسرب الإشعاعات إلى التصدعات في جسم المفاعل، وهي تصل إلى المياه الجوفية، عدا أن توجيه مراوح المداخن للمفاعل يسير باتجاه الأراضي الأردنية، بجانب مسألة دفن النفايات النووية في صحراء النقب.
وبشأن هذه التسريبات وغيرها، كان ردّ الحكومة الأردنية أنها تدرك المخاطر المحتملة من أي مفاعل نووي، وأن لديها محطات رقابة لرصد الإشعاعات، و«لا مؤشرات على وجود أي خطر فعلي».