قُضي أمر الصراع بين هشام جنينة والنظام المصري. الرئيس السابق للجهاز المركزي للإحصاء، بات نزيلَ أحد سجون مصر، بعدما قضت النيابة العامة العسكرية بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات المعروفة إعلامياً باسم «وثائق عنان»، التي أثارها جنينة نفسه، حين قال، في حوار صحافي، إن رئيس الأركان الأسبق، المحتجز بدوره عسكرياً، يمتلك وثائق حساسة قد تدين القائمين على حكم البلاد.
بذلك، يكون النظام المصري قد سدّد مجدداً ضربة موجعة إلى المستشار السابق، الذي بقي في الظل، إلى أن ألقى تصريحاً بشأن حجم الفساد في مصر خارج الوظيفة الضبطية... ورسم تصريح آخر له بشأن «أسرار» الفريق سامي عنان الطريق إلى السجن.
ولد المستشار هشام جنينة في محافظة الدقهلية، شمال شرق دلتا مصر، في عام 1954. وفي عام 1976 تخرج في كلية الشرطة، وعمل ضابطاً في مديرية أمن الجيزة، ثم انتقل إلى سلك القضاء، حيث عمل في النيابة العامة، ثم قاضياً ومستشاراً، إلى أن وصل إلى منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة.
وكان جنينة أحد أبرز وجوه «تيار استقلال القضاء»، الذي ذاع صيته خلال الانتخابات البرلمانية في عام 2005، حين كان مُسيطراً على «نادي القضاة» برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز، ووكيله هشام جنينة.
في تلك الفترة، اتهم «التيار» نظام حسني مبارك بتزوير الانتخابات، ما أدى إلى تحويل اثنين من أعضائه إلى المحاكمة. ثم سرعان ما اشتدت المعركة بين «الاستقلاليين» والنظام الحاكم في انتخابات «نادي القضاة» في عام 2009، حين استطاع «تيار التغيير» المدعوم من مبارك، والذي كان يقوده المستشار الشهير أحمد الزند، إلحاق الهزيمة بـ«تيار الاستقلال» ومرشحه لمنصب رئيس النادي هشام جنينة.
وفي شهر أيلول من عام 2012، أصدر الرئيس «الإخواني» محمد مرسي قراراً بتعيين جنينة رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو يُعد أقوى جهاز رقابي في مصر.
وخلال توليه المنصب، خاض جنينة حرباً ضروساً ضد الفساد، لفرض الرقابة الإدارية على بعض المؤسسات والأجهزة السيادية والحساسة في الدولة المصرية، ما فتح عليه بوابة على الجحيم، خاصة بعدما أدلى بتصريح صحافي في كانون الأول عام 2015، عن بلوغ حجم الفساد في مصر نحو 600 مليار جنيه، وأعقب ذلك إحالته على المحاكمة بتهمة نشر أخبار كاذبة. وما زاد الموضوع حدة، أنّ جنينة اتهم، خلال محاكمته، شخصيات ومؤسسات سيادية بالتورط في ملفات فساد، مثل جهاز المخابرات العامة، وجهاز الرقابة الإدارية، إلى جانب جهاز الشرطة والقوات المسلحة، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إصدار قرار بعزله، قبل أن يصدُر بحقه حكمٌ قضائي بالسجن ثلاثة أعوام مع وقف التنفيذ.
وعاد جنينة إلى دائرة الضوء، من جديد، حين اختاره الفريق سامي عنان مرشحاً لمنصب نائب رئيس الجمهورية، وذلك في الخطاب المصوّر، الذي أعلن فيه نيّته منافسة السيسي في انتخابات الرئاسة في آذار المقبل، قبل أن يُلقى القبض على رئيس الأركان الأسبق، وحبسه بتهمة الترشح دون الحصول على موافقة القوات المسلحة. أعقب ذلك، ما وصف بأنه «محاولة فاشلة» لاغتيال جنينة نفسه، الذي اتهم أجهزة سيادية بالوقوف وراء هذا الاعتداء، الذي نجا منه بأعجوبة.
وفي آخر إطلالة إعلامية له، قال جنينة إن الفريق عنان يمتلك وثائق ومستندات تدين أشخاصاً كثيرين، وتتعلق بالأحداث التي شهدتها مصر، منذ اندلاع «ثورة 25 يناير» عام 2011، وحتى اشتعال شرارة «ثورة 30 يونيو» في عام 2013، وأن تلك المستندات تخص أحداثاً كبرى مرت بها مصر، مثل مواجهات شارع محمد محمود، ومجزرة ماسبيرو، قائلاً إنها تشكف عن «الطرف الثالث» الذي نفّذ معظم الجرائم السياسية في مصر في تلك الفترة.
هذا التصريح المدوّي قابلته القوات المسلحة المصرية ببيان عاجل أصدره المتحدث العسكري، وهدد خلاله باتخاذ إجراءات ضد جنينة في ما أدلى من تصريحات «تمسّ الأمن القومي»، وهو ما أعطى الضوء الأخضر للنيابة العسكرية للأمر بإلقاء القبض على المستشار السابق وإحالته على المحاكمة!