يوماً بعد يوم، تزداد صورة الترتيبات العسكرية والسياسية التي تحضّر لها قيادة تحالف العدوان وضوحاً، مُنبِئةً برهانات كبيرة تضعها السعودية ومن خلفها الإمارات على ما يمكن أن تؤول إليه تلك الترتيبات، سواءً لناحية التبدلات الميدانية التي تأمل الدولتان تحقيقها، أو لناحية تشكل جبهة جديدة يُعوّل عليها من وجه نظرهما في أي مفاوضات محتملة. على أن جهود «لململة الشتات» هذه ما تزال تواجه عقبات واعتراضات، ينذر الاصطدام بها بتجدد موجة العنف التي شهدتها مدينة عدن جنوبي اليمن أخيراً، والتي انتهت بتهدئة هشة.
هذا ما أوحت به، أمس، حادثة احتجاز أكثر من 60 ضابطاً من الحرس الجمهوري والأمن المركزي من قبل عناصر نقطة أمنية في مدينة الضالع، عندما كانوا في طريقهم إلى عدن. ووفقاً لمصادر محلية، فإن الضباط الموالين للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، نُقلوا عقب احتجازهم إلى إدارة أمن الضالع، تمهيداً لإعادتهم إلى العاصمة صنعاء، لكن تدخل رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المحسوب على أبو ظبي، عيدروس الزبيدي، لدى إدارة الأمن، ومطالبته إياها بالسماح للضباط بإكمال طريقهم إلى عدن حال دون إتمام الخطوة. وعلى الأثر، برز انقسام في أوساط القيادات الأمنية بين مؤيد لإطلاق سراح المحتجزين، وبين رافض لذلك، قبل أن يهجم شقيق الزبيدي، محمد قاسم الزبيدي، ومعه قوة مسلحة على مبنى إدارة الأمن، بهدف الافراج عن الضباط. هجومٌ ترافق مع تلقي القيادات تهديداً من «التحالف» بقصف مقرّها بالطيران في حال امتناعها عن تنفيذ مطلب الزبيدي.

تبذل السعودية جهوداً لرفع العقوبات المفروضة على صالح


هذه الحادثة تحمل دلالات عدة لعلّ أبرزها اثنتان: أولهما أن قيادة «التحالف» ماضية في تجهيز نجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد عبد الله صالح، وإمداده بالعنصرين البشري والتسليحي، تحضيراً لعمليات عسكرية تعتقد الرياض وأبو ظبي أن مقاتلي طارق يمكن أن يحدثوا فيها فرقاً كبيراً خلافاً لبقية التشكيلات المقاتِلة. وثانيتهما أن «المجلس الانتقالي» منخرط على أعلى المستويات في تلك العملية، التي يبدي استعداداً متزايداً للقيام بكل متطلباتها، لقاءَ مكاسب سياسية وُعد بها المجلس ورئيسه، وتتم تهيئة الأجواء الملائمة لها لدى دوائر غربية، وتحديداً بريطانية؛ على اعتبار أن من سيتولى مهمة ترتيب أي مفاوضات في المرحلة المقبلة هو مبعوث بريطاني الجنسية (مارتن غريفيث).
في ذلك السياق، يأتي لقاء رئيس مكتب اليمن في وزارة الخارجية البريطانية، كريس هاليدي، عضو هيئة رئاسة «الانتقالي»، مراد الحالمي، الذي يزور لندن بناءً على دعوة من المكتب، بهدف التباحث في سبل إنجاح مهمة غريفيث. اللافت أن هاليدي شدد، خلال اللقاء، على ضرورة تمتين العلاقة بين الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، وبين «الانتقالي»، في تساوق مع الطروحات الإماراتية في هذا الصدد. وقال المسؤول البريطاني إن بلاده «تراقب بحذر الوضع في جنوب اليمن»، مُعلِناً أن «القضية الجنوبية ستكون ضمن أجندة المبعوث الأممي الجديد». من جهته، توقع الحالمي أن يكون «الانتقالي» «الحاضر الأول» في أي مفاوضات، كـ«ممثل عن الجنوب لحل النزاعات، وإنهاء الأزمة اليمنية»، لافتاً إلى أن المجلس «يعبر عن أكبر حركة سياسية استقطابية في الجنوب»، وأنه «ينفتح على كل القوى الجنوبية المختلفة». ورأى الحالمي أن تغيير حكومة أحمد عبيد بن دغر كفيل بتجاوز الأزمات التي قد تؤدي إلى «انهيار الشرعية، وصولاً إلى تسوية سياسية لا تتعارض مع الإرادة الشعبية في الجنوب».
محاولات الإمارات تسويق «الانتقالي» كممثل سياسي لجنوب اليمن، تترافق مع ما يبدو أنها مساعٍ سعودية لتلميع سمعة «آل صالح»، وتصديرهم بوصفهم الطرف القادر على تمثيل الشمال، بما يخدم في نهاية المطاف هدف تشكيل «تحالف جديد يجعل الحوثي وحيداً في مواجهة أي حلول سياسية أو عسكرية». في هذا الإطار، تأتي الجهود السعودية المبذولة لرفع العقوبات المفروضة على نجل الرئيس السابق، أحمد علي عبد الله صالح، والتي توقعت صحيفة «عكاظ» السعودية، أمس، أن يُتّخذ قرار بشأنها خلال اجتماع مرتقب لمجلس الأمن بشأن اليمن أواخر الشهر الجاري. اجتماع يُتوقّع أن يعقبه كذلك، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من طارق صالح، توجيهُ الأخير من قِبَل ابن عمه، أحمد، بـ«القيام بتحرك عسكري».
لكن تلك الرهانات تظهر محفوفة بالكثير من الشكوك، في ظل وجود عوائق عدة ليس أكبرها رفض أطراف جنوبيين وجود طارق صالح في الجنوب، واتخاذَه الأخير منصةً لإطلاق عمليات في الشمال، وكذلك التحشيد المتضاد بين «الشرعية» وبين «الانتقالي»، والذي لا يقتصر على التراشق الكلامي، إنما يشمل، وفقاً للمعلومات المتداولة، عمليات تسليح واستقطاب واسعة النطاق، تهدد بانهيار الهدنة التي تم التوصل إليها أواخر كانون الثاني/يناير الماضي برعاية «التحالف».
(الأخبار)