الجزائر | انتقل الثقل في الجزائر بسلاسة من «سلطة الجزمة» إلى «سلطة الرزمة». وصار تمركز المال أهم مؤثر في الحياة السياسية، بعدما كان الجيش ضابط كلّ التحركات والسكنات طوال خمسين عاماً.
أول من أمس، أكمل «منتدى رؤساء المؤسسات»، وهو أكبر تنظيم خاص برجال الأعمال، خطوات انتشاره وبناء هيئاته بما يعكس وضعه كأكثر القوى تأثيراً في البلاد على الإطلاق. وانتُخب قياداته في الولايات (المحافظات) وعددها 48، لتشكيل مجالس محليّة تُعزز مشاركته في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. وقال رئيس «المنتدى»، علي حداد، إنّ «الانتخابات أفرزت قيادات ستطوّر أداء التنظيم وتزيده قوة»، مؤكداً عزمه على تطوير آليات العمل بما يدعم «قدرة القطاع الخاص على المشاركة في الجهود الرامية إلى الخروج من التبعية لصادرات النفط».
ويسير «منتدى» رجال الأعمال تدريجاً، وبخطوات ثابتة، ليصبح على شكل حزب سياسي كبير منتشر في كل الأرجاء ويملك قوة مالية لا تملكها أيّ قوة سياسية، وقدرة على تحقيق المشاريع لا تتوافر حتى لدى المؤسسات الحكومية. وهو إلى جانب هيئاته المركزية والمحلية، أسس جناحاً شبابياً باسم «جيل ــ منتدى رؤساء المؤسسات» يضمّ رأسماليين ناشئين عددهم بالمئات، ويسعى باستمرار لاستقطاب منتسبين إلى تسعة تنظيمات أخرى لرجال الأعمال بهدف تكوين أكبر نقابة في البلاد، لا بقوة المال فحسب، بل أيضاً بقوة التأثير في سلوك الشارع من خلال استثمارات منتظرة بداية من العام المقبل في قطاعات الإعلام والثقافة والسياحة والتعليم.
وعملاً على تحقيق هذه التطلعات، عقد «المنتدى» قبل أسبوعين جمعية عمومية، تقرر خلالها تحويله إلى نقابة لرجال الأعمال تُدافع عن مصالحهم المادية والمعنوية. وفيما لم يُتَّفَق بعد على الاسم الجديد، ظلّ اسمه القديم متداولاً.
وتأسس «المنتدى» الذي يبلغ عدد أعضائه 1500 عضو حتى الآن في عام 2000، في سياق تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد. وتعاقب على رئاسته عدد من المستثمرين الكبار، وشارك طوال هذه المدة في صياغة لوائح وبرامج عمل حكومية. وبصفة دورية، تجمعه بالحكومة ونقابة العمال الرئيسية اجتماعات باسم «الثلاثية»، ترسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وبالاتفاق بين الأطراف الثلاثة، يجري إعداد الخطط الاستثمارية، وتسقيف الأسعار، وتحديد حجم دعم المواد الاستهلاكية، وأيضاً سياسات الأجور وتعزيز القدرة الشرائية، وكذا قوائم المواد المنتجة محلياً التي تتعيّن حمايتها بالرسوم الجمركية وما إليها من المسائل التي تمسُّ كل شرائح المجتمع.
لكن الإقلاع الكبير لـ«منتدى رجال الأعمال» حدث قبل نحو خمس سنوات حين وصل الى رئاسته رجل الأعمال المثير للجدل علي حداد، ويُلقبُه البعض بـ«برلسكوني الجزائر»، لاستثماره في قطاعات عدة، ولا سيما الأشغال العمومية والبناء، ولامتلاكه صحفاً وقنوات تلفزيونية وفريق «اتحاد العاصمة» لكرة القدم، وهو من أكبر أندية الجزائر وأكثرها تتويجاً بالألقاب. وذلك إلى جانب كونه لم يُخفِ طموحه السياسي، إذ إنّه يلعبُ حالياً دور عدة وزراء باستقباله السلك الدبلوماسي، بخاصة سفراء الدول الصناعية لبحث سبل التعاون، وينظم رحلات إلى الخارج بحثاً عن فرص الاستثمار في مختلف القطاعات. وزادت قوّة حدّاد في الشهور الأخيرة بعدما كسب معركة كبرى خاضها ضد الوزير الأول (رئيس الحكومة) السابق عبد المجيد تبون، في شهر آب/أغسطس الماضي، وتدخل ضمن الصراعات في أعلى هرم السلطة للفوز بالمواقع.
في حينه، تعمّد تبّون إهانة رجل الأعمال، حين أمر حاشيته بمنع حداد من حضور حفل رسمي كان قد دُعي إليه كباقي إطارات الدولة. وكانت الإهانة مقدمةً لتأليب خصومه عليه وإبعاده من قيادة «المنتدى»، تماماً كما فعل حين جنّد مقربين إليه لإطاحة زعيم نقابة العمال مجيد سيد سعيد. لكن علي حداد، وهو زعيم المال، كان أقوى حتى من الوزير الأول. فقد عقد مؤتمراً صحافياً في اليوم التالي، أعلن خلاله أنّ أيام تبّون معدودة، وأنّه سيُفصَل من منصبه في أقرب وقت. وأعرب عن أمله أن يعود الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى، الذي كان يشغل منذ سنوات منصب مدير الديوان الرئاسي، إلى الوزارة الأولى. وبالفعل، فبعد شهر من ذلك، صدر عن رئاسة الجمهورية بيان نبّه إلى أنّ التضييق على رجال الأعمال غير مقبول من أي جهة. وتلا ذلك قرار بإعفاء الوزير الأول من مهماته، وتعيين أحمد أويحيى، تماماً كما أراد «رئيس» رجال الأعمال.
ومذّاك، صار كثير من الجزائريين حين تسألهم عمن هو أقوى رجل في البلاد، يجيبون بأنّه علي حداد، وعمن هو أكبر حزب، يجيبون: «منتدى رؤساء المؤسسات»، وذلك لعلمهم بأنّه يتمتع بسند أقوى من أي سند آخر. حتى نقابة العمال التاريخية التي تأسست في ظلّ حرب الاستقلال، ولا تزال هي الأكبر رغم التعدد، صارت حليفاً قوياً لنقابة رجال الأعمال.
كبرت قوة المال في الجزائر تدريجاً، وصار رجالها، ولا سيما أولئك المنضوون تحت سقف هذه النقابة، مطلوبين من الأحزاب الرئيسة للترشح في مختلف المناسبات الانتخابية، أكانت برلمانية أم محلية. حتى إنّ كثراً صاروا يتنبأون بأن خليفة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سيكون رجل أعمال، أو شخصية متفقاً عليها من قبل رجال الأعمال. وكانت قيادة الجيش، منذ الاستقلال، هي من تختار الرئيس قبل أن تجري له انتخابات عامة (صورية). وصار المال الخاص يُموّل الحملات الانتخابية للتأثير في النتائج وتركيبة مؤسسات الدولة المنتخبة، فيما تؤكد كل المؤشرات أنّ دوره سيصبح أكبر بكثير في السنوات المقبلة.