سلفيت | «القنبلة الموقوتة»، «الشبح»، «رجل الظل»، «المطلوب رقم واحد»، تسمياتٌ أطلقها الناشطون الفلسطينيون، وشاركهم فيها الإعلام العبري، على المطارد منذ أكثر من أسبوعين أحمد نصر جرّار، تعكس عمق الأزمة الأمنية والإخفاق الذي لم يعد بمقدور العدو ضبط إيقاعه من جهة، واحتفاء الفلسطينيين بنموذجٍ للمقاوم المتميز الذي ينجو من طوق الحصار مرة تلو مرة من جهة أخرى.
لم يعد بمقدور إسرائيل كتم إخفاقها في العثور على ما سمّته «قائد خلية حماس» المسؤولة عن «عملية صرّة» غرب نابلس، التي أدت إلى مقتل الحاخام أزرائيل شيفح الشهر الماضي، إذ نجا أحمد النصر ــ كما يحبّذ أهله تسميته ــ من ثلاث محاولات استهدافٍ إسرائيلية في غضون أربع وعشرين ساعة بين أول من أمس وأمس، وذلك في ظل سلسلة عمليات عسكرية متتالية في بلداتٍ تقع جنوب مدينة جنين، شمالي الضفة المحتلة.
وشملت عمليات الاقتحام الإسرائيلية مناطق مختلفة منها: وادْ بِرقين، قرية الكفير، حي الهدف، بمشاركة وحداتٍ خاصة للعدو، ووحدة النخبة «جفعاتي»، إضافة إلى قوة من «حرس الحدود»، وبتغطيةٍ شبه دائمة من الطائرات المُسيّرة بلا طيار، وسط مواجهاتٍ عنيفة مع الشبان الفلسطينيين أدت إلى استشهاد الشاب أحمد عبيد.
تخلل عمليات المطاردة استعمال الكلاب البوليسية، واعتقال عددٍ من الفلسطينيين وإصابة عدد آخر، بعضهم من أقارب المطارد، وآخرون أسرى محررون أو أشخاص مقربون من حركة «حماس»، فيما كشف موقع «0404» العبري، القريب من الجيش، عن غياب أي معلوماتٍ استخبارية حقيقية تستند إليها عمليات الملاحقة، إذ يبدو أن البيوت التي استهدفها الجيش أصحابها على صلة (قرابة وعلاقات شخصية بدرجاتٍ مختلفة) بالمطلوب. وأشار «0404» إلى دهم منازل عائلة ارشيد التي هي على قرابة مع ابن الشهيد نصر جرار.
ما حدث في اليومين الماضيين لم تخفه صحيفة «يديعوت أحرنوت» التي قدمت أحمد جرار في عنوانها «مخرب هارب، وملاحقة مشددة»، واصفةً المطاردة الساخنة بأنها «أكثر عمليات الملاحقة المكثفة التي سُجلت لمخرب في الضفة خلال السنوات الأخيرة». كذلك فإن وتيرة الملاحقات التي تتسارع ترجمها تصريح رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، عندما توعد قائلاً: «من يعتقد أنه يستطيع أن يكسر روحنا ويجعلنا يائسين، فقد ارتكب خطأً فادحاً... إسرائيل لن يهدأ لها بال حتى إلقاء القبض على جرار وعلى من ساعده».
في المقابل، وجّهت صحيفة «إسرائيل اليوم» سهامها إلى المسؤولين عن الملف الاستخباري، وقالت: «لسوء الطالع، وتحت ستار الذكاء المعيب، وغارات عديمة الفائدة من القوات الخاصة الإسرائيلية، استطاع جرار أن يجعل من نفسه بطلاً بين الجمهور الفلسطيني»، داعية إلى ألّا يفاجأ أحد إذا سار شبان فلسطينيون على خطاه لمحاولة تقليده. وأضافت: «جرار سيلقى عليه القبض حياً أو ميتاً، ولكن للأسف هذه المعركة خسرناها».
من جانبٍ آخر، يدفع نجاح عملية صرّة الشهر الماضي، وانسحاب المنفذين إلى رسم سيناريو حول احتمالية وجود مخطط للخلية من الألف إلى الياء، جرى بموجبه تأمين خط الانسحاب والعودة إلى مكانٍ آمن. ما يعزّز هذا السيناريو عجز نخبة «اليمام» في 17 كانون الثاني الماضي عن العثور على المطارد، والمعركة التي أدت إلى إصابة اثنين من القوات الخاصة، وهذا ما ذهبت إليه «يديعوت» تعقيباً على عمليات الملاحقة قبل أيام، إذ قالت: «على ما يبدو، إن أحمد جرار نفّذ عملية هرب ناجحة، أو إنه يمكث في مخبأ جُهز مسبقاً، وبعلم عدد قليل من مقربيه».
وللمرة الأولى منذ مقتل الحاخام شيفح، تكشف المصادر الإسرائيلية عن نوعية السلاح المستعمل في العملية، إذ استخدمت الخلية التي يتزعمها جرار بندقية آلية من طراز «إم 16»، وشكّلت هذه المعلومة مصدر اتهامٍ للخلية و«دليلاً على تلقّيها دعماً من الخارج أو من حركة حماس، أو من الطرفين».
ويرى متابعون أن مقدار الاهتمام الإسرائيلي بملاحقة جرار، وحجم القوات التي يحشدها العدو لاقتحام المناطق والتضييق على أقاربه ومعارفه جزء من «عقيدة الردع» التي تقوم على رفع ثمن المقاومة حتى لا يفكر الناس في سلوك هذه الطريق. كذلك، يبدو أن العدو يسعى بردود فعله إلى كسر إرادة الجماهير والسكّان، وتدجين الناس، فهو يضغط نفسياً على المطارد، محاولاً إشعاره بأنه السبب الرئيسي في معاناة كل أصحاب البيوت والمناطق التي تستهدف خلال مطاردته.
مع ذلك، يبدو حرص الاحتلال الحثيث على الإمساك بجرّار بادياً من كثافة عمليات الاقتحام، وذلك تحسباً من تنفيذه عملية أخرى، الأمر الذي يعني تحوله إلى نموذج ملهم للشباب في الضفة، وهو ما أشار إليه الصحافي الإسرائيلي جال بيرغر بقوله: «رويداً رويداً يتحول أحمد جرّار إلى أسطورة». لكن يبدو أن هذا بدأ قبل أي عملية أخرى، إذ عجّت شوارع بلدة برقين بمئات الشبان الذين لاحقوا الآليات الإسرائيلية عند انسحابها، كذلك اجتاح «هاشتاغ» #المطارد_أحمد_جرار وغيره مواقع التواصل مع استمرار المطاردة منذ أكثر من أسبوعين وتكثفها في الأسبوع الماضي.