لم تتوقف "إسرائيل" عن سرقتنا، ولم تكن أرض فلسطين آخر تلك السرقات الكثيرة، فالتراث الفلسطيني بآثاره وزيّه الشعبي من ضحايا الاحتلال.جابي بن حاييم وموكي هرئيل مصممان إسرائيليان سرقا تصميم "الكوفية الفلسطينية" المعروفة، واستخدما ألوان العلم الإسرائيلي لنسبها إلى تراث مُدّعى، كذلك فعلت زوجة موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلي في ستينيات القرن المنصرم في إحدى المناسبات العالمية، إذ ارتدت ثوباً فلسطينياً زاعمة أنه تراث "إسرائيلي".
حوادث عدة على غرار ما سبق جرت في العقود الستة الماضية، بشكل ممنهج ومدروس يعود لمؤسسة صهيونية تعلم تماماً ماذا تريد، وما عليها فعله لإقناع العالم بأن اليهود هم أصحاب الأرض عبر تراث تاريخي كبير يعود إليهم، وليس لأولئك الذين تُطلق عليهم جزافاً "إرهابيين" وتروّج دعائياً عبر مؤسسات إعلامية كبيرة لذلك، ويَرِد في مادة بعنوان "العدوان الإسرائيلي على التراث الفلسطيني (2)" للباحث في التراث الفلسطيني نبيل علقم: "بعد الاحتلال الإسرائيلي لبقية فلسطين عام 1967، بدأت حملة إسرائيلية واسعة من قبل الأفراد والمؤسسات لنهب الأدوات الفنية المنتجة شعبياً كالأدوات الفخارية ومصنوعات القش والمطرزات وسواها، وقد استعملها الإسرائيليون إما لتزيين بيوتهم وأماكنهم العامة، أو أنها تسربت إلى المتاحف الإسرائيلية لتنضم إلى ما يسمى "التراث الشعبي الإسرائيلي".

في المقابل فلسطينياً، لا يوجد حتى الآن مؤسسة ترقى إلى مستوى القضية الفلسطينية، تعمل على حفظ التراث وأرشفته، ويقتصر الأمر ككل الأمور الفلسطينية على جمعيات يغلب عليها الطابع الفردي، وبالتالي فالانتشار يبقى ضمن حدود المخيم أو الحيّز الجغرافي الموجود فيه الفلسطينيون، في حين أن المعركة في هذا الجانب بالذات، تحمل طابعاً دعائياً ترويجياً.
فالزيّ الفلسطيني الذي استغنت عنه معظم الفتيات الفلسطينيات في أعراسهن، أصبحت فتيات يهوديات تستخدمنه وتعملن على عصرنته، والغريب أنه في هذا الصدد بالذات (العصرنة)، ليس هناك سوى مبادرة للمصممة المغربية فضيلة علوشي التي تستخدم "القطبة" والزخرفة الفلسطينية في معظم تصاميمها التي تُقدمها في دور عرض عالمية.
ورغم ذلك تبقى مبادرة فضيلة علوشي في إطار المحاولات الفردية، مع مراعاة الانتشار الخاص بعلوشي نفسها كمصممة عالمية، ويبقى السؤال دوماً أين المؤسسة الفلسطينية، ومنظمة التحرير "الدولة" المعنوية للفلسطينيين؟ أين هما من كل هذا النهب الجاري أمام أعين ساستهما ومسؤوليهما، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بإمكان السلطة الفلسطينية ضبط التجار الفلسطينيين؛ أولئك ممن حولوا التراث والزي الفلسطيني بشكل ما إلى مادة تجارية رابحة بغض النظر عن المسألة الوطنية، التي تستوجب إتاحة مثل هذه الأشياء بأسعار معقولة تتناسب ودخل المواطنين في فلسطين واللاجئين في المخيمات، باعتبار السفارات الفلسطينية لها مسؤولية مباشرة عن مخيمات لبنان مثلاً، لكن شيئاً من هذا لم يحدث ويبدو أنه لن يحدث.
وبالطبع نقد المؤسسة الرسمية الفلسطينية بأيّ مجال لا يعجبها ولا يقنعها، وتجد دوماً المبررات اللازمة لذلك، بينما تسرق "إسرائيل" نباتات فلسطينية وتنسبها إليها، فهذا لا أعتقد أنه مسؤولية فردية إنما مسؤولية السلطة والمنظمة؛ وقد عمدت "إسرائيل" خلال استضافة الصين للألعاب الأولمبية، لاختيار زهور برية ونباتات فلسطينية لتمثيلها في حديقة الورود التي أقيمت فيها المناسبة، ووقع اختيارها على زهرة قرن الغزال، وزهرة شقائق النعمان، وشجرة الزيتون.
وفي عام 2001 صدر كتاب "قول يا طير" بطبعته الأولى، للكاتبين شريف كناعنة وإبراهيم مهوي، وعاد ليصدر بطبعات متعاقبة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ويرصد الكتاب خمساً وأربعين حكاية (خرافية) من مئتي حكاية روت معظمها نساء من جميع أنحاء فلسطين (الجليل والضفة الغربية وغزة)، وتعبر عن تراث شعبي فلسطيني، لكن واحدة من الحكومات الفلسطينية عملت على مصادرة الكتاب ومنعه، لما فيه من "خدش" للحياء العام.
و"خدش" الحياء حينها تمثل ببعض الألفاظ التي تداولتها جداتنا لسنين طويلة على مسامع الأحفاد من البنات والشباب دون ان يخدش حياءهم، ومنها ما جاء في الصفحة 67 مثلا "الله يلعن أبو اصحابك شو دينها هاي؟"، وفي الصفحة 68 شطب "يلعن ابو اصحابها! والله العظيم لاقعد أشخ (آبول) فيها. قام قعد يا حبيبتي وشخ بقلبها"، كذلك ما ورد في الصفحة 179 "يلعن أبوك على أبو اللي ناسبك واعطاك بنته"!! كل ما ورد في الحقيقة هو جزء من تراث الحكايات، وهو من الأرشيف الشفوي للشعب الفلسطيني الذي يراد له أن يندثر ويغيب، لينحصر بيوميات القرية "المهذبة" والعادات المناسبة لايديولوجيا بعض القوى المسيطرة اليوم. لكنني شخصيا ما زلت أذكر جدتي حين كانت تقول ممازحة احدى الفتيات "يا مسخمة" أو "يا مسخمطة" بكل براءة، ودون أدنى تفكير بتلك الفواحش الذي تحدث عنها قرار اعدام الكتاب آنذاك.
كل هذا والاحتلال ينتحل الحكايات الفلسطينية والعربية، ويذكر الدكتور منعم حداد أنه حتى صيف 1986، كان في أرشيف الحكايات الشعبية "الإسرائيلية" 18500 حكاية كان قد صُنف منها 11944على أنها "إسرائيلية"، لكن ما نسبته 65 % منها يعود لتراث اليهود العرب، ومنها 215 حكاية فلسطينية.