رام الله ــ الأخبارخلّفت قصة اكتشاف أجهزة أمن السلطة الفلسطينية «حقلاً من العبوات الناسفة» في مدينة طولكرم، شمالي الضفة المحتلة، علامات استفهامٍ كثيرة، خاصة أن الضفة باتت تخلو من هكذا نوع من الأسلحة منذ أكثر من عشر سنوات.

تعددت الروايات حول خلفيات الحادث، ما بين رواية السلطة، ورواية الناشطين المؤيدين للمقاومة؛ فالأولى جزمت بعد ساعاتٍ بأن خلفية الحادثة ليست مقاومة، بل «جهات معادية» زرعت العبوات وأن الشرطة أنقذت «أرواح الفلسطينيين الأبرياء»، علماً بأن قوات العدو الاسرائيلي مشّطت مكان اكتشاف العبوات على مدى يومين. وقالت أجهزة السلطة إنها عثرت على 12 عبوة ناسفة على الأقل في منطقة خلة الطويلة، وهي طريق فرعي يصل بين بلدتي عتيل وعلار شمال طولكرم، قبل يومين، ونجحت في إتلافها وتفجير قسم منها بعد إغلاق الشارع لساعات طويلة ما بين أول من أمس وأمس.
ولوحظ تعدد روايات السلطة حول الحادثة، خاصة حول مصدر المعلومة التي كشفت العبوات والهدف من زراعتها. ففي أول تصريح، قالت الشرطة إن «مواطنين لاحظوا العبوات وأبلغوا عنها»، ثم تراجعت وخرج بيان رسمي ليقول إن أفراداً من الشرطة كانوا في دورية ولاحظوا العبوات مصادفة، بعدما كشف المنخفض الجوي ومياه الأمطار قسماً منها، ثم بعد يوم واحد خرج المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة، اللواء عدنان الضميري، ببيان آخر وردت فيه قصة «الجهات المعادية».
ومن اللافت أن جزْم الضميري أتى بعد يوم واحد من العثور على العبوات، رغم أنه لم تكن هناك قرائن واضحة أو مشتبه فيهم في قبضة السلطة. لكن بعد ساعات من تصريحه نهاراً، نفذت الأجهزة الأمنية ليلاً حملة اعتقالات في بلدتي علار وصيدا، شمال طولكرم، استهدفت أسرى محررين من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». ووفق مصادر محلية، عُرف من بين المعتقلين: أسعد زياد شديد، أحمد حازم الحاج، فراس علي جعار، فادي رداد، كذلك تخلل الاعتقالات تفتيش منازلهم ومصادرة حواسيب وهواتف نقالة.
حملة الاعتقالات تطرح علامات استفهام على تصريحات السلطة؛ فإذا كانت زراعة العبوات من تنفيذ جهات معادية لا صلة لها بالمقاومة، فلماذا شنّت الحملة في منطقة قريبة من مكان العبوات، علماً بأنه لا عمل خاصاً أو غريباً في المنطقة لجهة نشاطات الحركتين.
ووفق مصادر تحدثت إلى «الأخبار»، فإن طريقة زرع العبوات كانت على شكل صفٍ واحد في الاتجاه نفسه، وكانت كل عبوة تزن نحو ٤٠ كلغ بطول ٥٠ سم، وبقطر ٤٠ سم، وموصولة بأسلاك كهربائية، فيما تبعد كل واحدة عن الأخرى سبعة أمتار. كذلك ذكرت المصادر أن قسماً من العبوات زُرع بجانب الطريق والقسم الآخر عُثِر عليه مزروعاً تحت الإسفلت، لكن من دون أن تحدد مدى فعالية المادة المستعملة فيها.
قوات العدو لم تقف بدورها موقف المتفرج، فقد اقتحمت المنطقة التي تم اكتشاف العبوات فيها صباح اليوم التالي لإتلاف السلطة لها، وسُمع صوت انفجارين بعد انتشار العدو هناك، علماً بأن الإسرائيليين لم يتدخلوا سابقاً في انفجارات وقعت داخل منطقة «أ» وكانت أيضاً في مناطق خالية، مثل تفجير وقع في مدينة نابلس (شمال) قبل أسابيع وحققت فيه السلطة الفلسطينية وحدها.
تعدد الروايات الرسمية وتدخل قوات العدو أثارا الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن العبوات كانت «غير متقنة التمويه»، وأن الشارع المستهدف لا يقع على طريق استيطاني، بل هو غير قريب من مستوطنات أو معسكرات إسرائيلية. كذلك فإن شهود عيان نقلوا أن الحفر التي أظهرتها بعض الصور للمنطقة موجودة منذ نحو شهر ويلاحظها كل من يمر في الطريق. والمشكلة أنه لا يمكن رسم سيناريو محتمل لرواية السلطة والمصادر المحلية حول طبيعة العبوات وحجمها وطريقة زرعها من دون الإشارة إلى عمل مقاوم، ولا حتى المستوطنون يجرؤون على التعمق في مناطق «أ» إلى هذا الحد وزرع مثل هذه العبوات. أما احتمالية أن يكون الاحتلال قد زرعها بهدف اغتيال، فهو كذلك مستبعد لأنه أسلوب اعتمد سابقاً خلال الانتفاضتين الماضيتين، ولن تكون بهذا الحجم أو الطريقة.
مع ذلك، ليس ثمة رابط وثيق الصلة بعمل مقاوم، خاصة أن المنطقة وهكذا نوع من العمليات انتهى منذ سنوات، رغم أن أسلوب العبوات آخذ بالازدياد، لكن بحجم أقل وفعالية أعلى، كما حدث في عملية حافلة تل أبيب عام 2012 خلال حرب غزة، وعملية «باص 12» التي نفذها الشهيد أحمد أبو سرور من بيت لحم. ويعلن العدو بين مدة وأخرى اعتقال فلسطينيين خطّطوا لزرع عبوات، منهم مثلاً شاب من بلدة حوسان ببيت لحم خطّط لزراعة عبوة في منطقته، فيما سجل إعلان إحباط أكثر من أربع محاولات لعمليات بواسطة عبوات ناسفة منذ بداية العام الماضي حتى الآن.
ورغم أن المنطقة ليست لصيقة بالمستوطنات، فهذا الشارع مثله مثل غيره تستعمله قوات الاحتلال في الاقتحامات الليلية للبلدات والقرى المجاورة أحياناً، علماً بأن المنطقة نائية وغير مزودة بكاميرات مراقبة، فيما تأتي زراعة العبوات بهذا الحجم والشكل لتقرّب احتمالية أن تكون معدّة لاستهداف قافلة عسكرية. أما رواية السلطة عن «الجهات المعادية»، فيمكن نسبها إلى أنها لا تريد أن تظهر في مظهر منع العمليات المقاومة الآن، في ظل المواجهة السياسية بين رام الله وتل أبيب وواشنطن، خاصة أنه إن كان الهدف من العبوات «استهداف المدنيين وترويع الأبرياء»، لزرعت في مناطق مزدحمة.